عُنِيَت الأهداف العامة لفلسفة التربية والتعليم في البلاد العربية عامةً بتكوين المواطن المتكامل في مختلف جوانب الشخصية: الجسمية، والعقلية، والروحية، والوجدانية، والاجتماعية، بحيث يصبح الطالب في نهاية مراحل التعليم مواطنا قادرا على أداء مجموعة من المهارات، وملما بالمعارف والخبرات المختلفة، ثم توسعت قائمة الأهداف التربوية لتضم مهارات التفكير، وكان هناك بعض علماء النفس وآخرون من المهتمين بدراسة العقل البشري من عمِلَ على إيجاد طرق متنوعة لتعليم مهارات التفكير، مثل إدراجها في المناهج الدراسية وتطوير أداء المعلمين وتدريبهم على تنفيذها، ولكن توصلوا إلى أن الطلاب يتوقفون عن استعمال الأساليب التفكيرية التي تعلموها بمجرد زوال الشروط المحددة للمتعلمين؛ أي أنهم أصبحوا قادرين على أداء مهارات التفكير التي جرى تعلّمها، لكنهم لم يكتسبوا أي عادة على استخدامها، فمثلا لو أخذنا مهارة الجري فإن الفرد يتعلمها ويعرف كيف يؤديها، ولكن قد لا تصبح لديه عادة يومية يؤديها في كل صباح، ولكن إذا أُجبر على أدائها بشكل يومي، فإنها سوف تصبح لديه عادة يومية في حياته لا يستطيع الاستغناء عنها، وبناءً على هذه الفكرة التي تميز بين المهارة والعادة توصل علماء النفس والتربويون إلى أن التفكير لا يكفي أن يتم تعليمه كمهارة من خلال نشاط أو سؤال في الحصص الدراسية فقط، بل لا بدّ من التدرب عليه وممارسته بشكل يومي ودائم حتى يصبح عادة، ومن هنا أتى ما يسمى "عادات العقل"، وأصبحت أحد أهم أهداف مشروع 2061 العالمي، وأحد الملامح المؤهلة لدخول هذا العصر- عصر العولمة- ولقد حدد المشروع عددا من العادات العقلية التي يجب تنميتها لدى الطلبة، منها: المثابرة والاجتهاد، وحب الاستطلاع، والانفتاح على الأفكار الجديدة، والتخيل، والعدالة، والمرونة في التفكير، وتعامل الفرد بذكاء مع المشكلات التي تواجهه، وطرح التساؤلات، والتعاطف، والتحكم في الانفعالات، وبالتالي فهي تدعم التفكير في كل المجالات، وتعمل على بناء شخصية الطالب بحيث تصبح لديه القدرة على التعامل مع مشكلات نفسه ومجتمعه، ولا يكون أحادي الفكر والحكم، ويكون إيجابيا، ويفهم معنى التعاون، ويعلم نفسه بنفسه، ويحب الآخرين، ويتعاطف معهم، ويتقبلهم، ويقتنع بمعاني التعددية وطبيعة الاختلاف، ويتعلم التأني، ويتحكم في نوبات الغضب، ويقلل من نزعات التسلط والتعصب والعنف، واثقا بنفسه محبا لوطنه، ومن هنا فإن عادات العقل تتجاوز كل فروع المعرفة التقليدية، وتسمو فوق جميع الأشياء المادية، وتعلم الحقيقة، وتجعل الطلاب مبدعين، وتساعدهم على الوصول إلى مستوى الإبداع والتطوير. اعتمادا على ما سبق، وبناء على دراستي وخبرتي في ميدان التعليم، وتنفيذي برامج عادات العقل التي أعددتها؛ فهي تستحق منا الاهتمام، والتفات أصحاب القرار إليها؛ لتبني نظام تعليمي تدريبي يصلح لأجيال عصر المعلومات وثورة المعرفة والذكاء الصناعي؛ فالتعليم يعد من أقوى الأدوات في تحقيق رؤية وآمال الشعوب وتطلعاتها، وما من أمة سعت إلى التقدم والتطور والنماء والسبق في أي مجال إلا وعكفت على مراجعة وتغيير مناهجها. Your browser does not support the video tag.