عُرف بصوته الرخيم في قراءة القرآن الكريم إماماً للحرم المكي لأكثر من «40» عاماً، تميز بسيرة عطرة خلال ثمانية عقود قضاها في الإمامة والدعوة حتى وصل إلى رئاسة شؤون الحرمين الشريفين، وعضوية هيئة كبار العلماء، والمجمع الفقهي الإسلامي، ارتحل في أكثر من «100» رحلة لدول العالم المختلفة للدعوة إلى الله في أصقاع الأرض، هو الشيخ محمد بن عبدالله بن عبدالعزيز السبيل إمام وخطيب الحرم المكي الشريف، ولد في مدينة البكيرية بمنطقة القصيم العام 1345ه، من آل غيهب من قبيلة بني زيد من قضاعة، حفظ القرآن الكريم صغيراً، وتعلم على يدي والده والشيخ عبدالرحمن الكريديس -رحمهما الله -، وفي سن الرابعة عشرة أتم تجويد القرآن على يد الشيخ سعدي ياسين، كما أخذ العلم الشرعي عن أخيه الشيخ عبدالعزيز السبيل والشيخ محمد المقبل والشيخ عبدالله بن حميد، وزار في رحلات دعوية أكثر من «50» دولة، نشر فيها سماحة الإسلام، ودعا إلى عبادة الله الواحد الأحد، كما حظي خلالها بترحاب كبير واستقبال كريم من رؤساء ومسؤولين في تلك الدول تقديراً لدوره ودور المملكة المؤثر في العالم الإسلامي، نجا من حادثة اقتحام المسجد الحرام، والتي قامت بها الجماعة المسلحة العام 1400ه، حيث كان هو الإمام الراتب لصلاة الفجر ذلك اليوم، وكانت نهاية الصلاة هي ساعة الاقتحام للحرم، له مشاركات إعلامية وإذاعية ومؤلفات في العلوم الشرعية والفتاوى. مشايخه وتلاميذه تتلمذ الشيخ محمد السبيل أولاً على يد والده الشيخ عبدالله، وكان من حفظة كتاب الله تعالى، وإماماً لأحد مساجد البكيرية، ثم على يد شقيقه الشيخ عبدالعزيز الذي تولى قضاء البكيرية، ودرّس في المسجد الحرام العام 1386ه، والشيخ عبدالله بن محمد بن حميد عضو هيئة كبار العلماء رئيس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي رئيس مجلس القضاء الأعلى، والشيخ محمد بن مقبل آل مقبل قاضي البكيرية ومن علمائها المعروفين، وكذلك الشيخ محمد بن صالح الخزيم قاضي الرس والمذنب وعنيزة، والشيخ سعدي ياسين من علماء لبنان وعضو رابطة العالم الإسلامي، قرأ عليه القرآن الكريم كاملاً في مكةالمكرمة وأجازه بقراءة حفص عن عاصم، والشيخ أبي محمد عبدالحق الهاشمي، والشيخ محمد بن عبدالله نور إلهي الهندي وله منهما إجازة في الحديث. من أشهر تلاميذ الشيخ السبيل الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ عبدالرحمن العجلان رئيس محاكم القصيم سابقاً المدرس بالمسجد الحرام، والشيخ عبدالرحمن الكلية رئيس المحكمة العليا والمدرس بالمسجد الحرام، والشيخ محمد العجلان قاضي تمييز سابقاً وغيرهم كثيرون. علومه ومؤلفاته وحفظ الشيخ السبيل خلال فترة دراسته العديد من المتون العلمية منها زاد المستقنع في الفقه، عمدة الأحكام، بلوغ المرام في أحاديث الأحكام، الرحبية في الفرائض، البيقونية في مصطلح الحديث، وكذلك ملحة الإعراب للحريري، وألفية ابن مالك في النحو، ونظم المفردات في المذهب، وجزء كبير من منظومة ابن عبدالقوي، إضافةً إلى كثير من القصائد والمنظومات العلمية والأدبية، ومن أشهر مؤلفات الشيخ السبيل "رسالة في حكم الاستعانة بغير المسلمين في الجهاد"، ديوان خطب "من منبر المسجد الحرام" و"رسالة في بيان حق الراعي والرعية". و"رسالة في حد السرقة"، و"في الخط المشير إلى الحجر الأسود ومدى مشروعيته"، وكذلك "فتاوى ورسائل مختارة"، و"من هدي المصطفى" - شرح لعدد من الأحاديث النبوية -، و"حكم التجنس بجنسية دولة غير إسلامية"، إضافةً إلى إصدار ديوان شعري، و"الإيضاحات الجلية في الكشف عن حال القاديانية" و"دعوة المصطفى ودلائل نبوته ووجوب محبته ونصرته"، و"المختار من الأدعية والأذكار"، إلى جانب "نبذة وجيزة عن عمارة الحرمين الشريفين"، و"الإجازة بأسانيد الرواية"، و"فتاوى ورسائل مختارة"، وغير ذلك. حدود الحرم وتم تكليف الشيخ محمد السبيل بتولي رئاسة لجنة أعلام الحرم المكي الشريف، والتي شكلت بناء على قرار هيئة كبار العلماء في العام 1412ه بهدف تحديد ووضع أعلام حدود الحرم المكي الشريف، والبالغ عددها (1104) أعلام، وتولت اللجنة مهمة رسم خريطة لكامل الحدود مبيناً عليها مواضع تلك الأعلام والمناطق الداخلة في نطاق الحرم والأخرى الخارجة عنه، ونصّبت اللجنة أيضاً (14) علماً على المداخل السبعة لمكةالمكرمة، بحيث يراها كل قاصد لأم القرى. جهود دعوية وقام الشيخ السبيل بالكثير من الرحلات الدعوية داخل المملكة وخارجها، وكانت أولى رحلاته الخارجية العام 1395ه إلى جمهورية غينيا في إفريقيا، بينما كانت آخر زيارة له لدولة اليابان في العام 1424ه، وزار السبيل في هذه الرحلات الدعوية التي زاد عددها على مئة رحلة، أكثر من خمسين دولة من مختلف دول العالم، والتقى خلال تلك الرحلات عدداً كبير من رؤساء وحكام وملوك تلك الدول الإسلامية وغيرها، إضافةً إلى كبار المسؤولين فيها، ورؤساء المراكز والجمعيات الإسلامية، كان يدعو في تلك الرحلات إلى اتباع دين الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وإلى ضرور تكاتف الجهود في سبيل نشر الدين الإسلامي، وتصحيح ما دخل عليه من منكرات، وجمع كلمة المسلمين ونبذ الفرقة والنزاع بينهم، وفضلاً عن رحلات الشيخ الدعوية فقد كان له جهاد بحثي علمي وشرعي واضح، كما عمل على كشف بعض فرق الباطنية، ويُذكر أن الشيخ هو من وجه في شهر رمضان من العام 1414ه، أثناء تولية رئاسة شؤون المسجد الحرام، بالاكتفاء بأداء وتر واحد يكون بعد التهجد، بعد أن كان يقام وتران في الحرم في العشر الأواخر من رمضان، أحدهما بعد التراويح والآخر بعد التهجد، ووافقه على ذلك الرأي أعضاء هيئة كبار العلماء، واستمر العمل به إلى يومنا هذا. عالم موسوعي وكان الشيخ محمد السبيل يُعلم في المجالس ويفسر، ويُحدث ويفتي، ويروي الجيد من الشعر وأمثال العرب والقصص الهادفة، كما أشار نائب الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام الدكتور محمد بن ناصر الخزيم، وكان حديث الشيخ يشد السامع إليه بحسن عباراته وبراعة استهلاله وحسن انتقاله من فكرة إلى أخرى، فهو عالم ومرجع في علوم شتى منها علوم القرآن، والحديث، والفقه، والفرائض، وعلوم اللغة العربية، مضيفاً أن الشيخ الفقيد تخرج على يديه عددٌ كبير من الطلاب، هو واحدٌ منهم، وأنه عاش في منزل الشيخ في بريدة لفترة من الزمن، فكان الشيخ نعم الأب والمعلم والمربي والصديق ثم الرئيس في العمل، مبيناً أن منزل الشيخ في بريدة كان مفتوحاً للجميع من طلاب العلم والمحتاجين والقادمين من البكيرية وغيرها، الغني والمحتاج والفقير، وكان يستقبل الجميع ويكرم الزائر وكان ذلك شأنه في منزله في مكةالمكرمة أيضاً، كما أشاد الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقاً بالشيخ السبيل، في عبادته ونصحه وإرشاده، وعقله وتعامله، وأنه كان له أسلوبه الخاص، وكان يعتمد الكلام بالعامية في برنامج "نور على الدرب"، لأن غالبية مستمعي ذلك البرنامج من العوام، وإلاّ فهو فصيح اللسان، شاعرٌ، يجيد الشعر. مناصب حكومية وتولي الشيخ محمد السبيل مهمة الإشراف على المعهد العلمي في بريدة بين العامي 1373ه و1385ه، ثم عين إماماً وخطيباً ومدرساً في المسجد الحرام بمكةالمكرمة من العام 1385ه إلى 1428ه، حينما طلب الإعفاء من باب الورع وخشية التقصير، كما عين في العام 1385ه رئيساً للمدرسين والمراقبين في رئاسة الإشراف الديني على المسجد الحرام، وفي العام 1393ه عين نائباً عاماً لرئيس الإشراف الديني على المسجد الحرام، فرئيساً للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي من العام 1411ه حتى 1421ه، كما كان عضواً في هيئة كبار العلماء من العام 1413ه حتى 1427ه، وعضواً في المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي من العام 1397ه في دورته الأولى، إلى جانب الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ صالح بن عثيمين، واستمر عضواً في المجمع طوال (37) عاماً، كما شارك السبيل -رحمه الله- في عدد من البرامج الإذاعية التي ساهمت في نشر العلم، منها "من منهج التربية الشرعي"، "من هدي المصطفى"، "من مشكاة النبوة" "حديث الاثنين"، كما شارك في برنامج الإفتاء المعروف "نور على الدرب" بطلب من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - حتى العام 1427ه، كما تولى رئاسة الجمعية الخيرية للمساعدة على الزواج والرعاية الأسرية بمكةالمكرمة من العام 1422ه حتى 1431ه، إضافةً إلى رئاسة وعضوية عدد كبير من اللجان المتنوعة. السبيل شاعراً وأبرز د. محمد المشوح صفة الذوق والحس الأدبي لدى الشيخ محمد السبيل، مشيراً إلى أنه يلاحظ لمن يقرأ خطبه ويستمع إلى أحاديثه، كما كان الشيخ يحمل ذائقة شعرية، بل إنه شاعر مميز له ديوان سبق طبعه إضافة إلى قصائد عديدة، أشهرها مرثيته في والده عبدالله السبيل وشقيقه وشيخه الشيخ عبدالعزيز السبيل - رحمهما الله -، وروى د. محمد المشوح كيف التقى مع الشيخ محمد السبيل، وطلب منه إجراء لقاء إذاعي، إلاّ أنه اعتذر تواضعاً منه، مع أنه عضو في هيئة كبار العلماء وغيرها من المجامع الفقهية الكبرى، مضيفاً أن الشيخ أمَّ في مساجد بريدة في مسجد الدبيب من 1377ه حتى 1382ه، ثم انتقل إلى جامع الأمير عبدالله الفيصل - الجردان - سنة 1382ه حتى 1385ه، وأنه التقى بالشيخ مرات عديدة، فوجده مشاركاً الناس في كل محفل أو جمعية أو منشط فيه نفع لهم مثل جمعيات التحفيظ، والأخرى الخاصة بمساعدة الراغبين في الزواج وغيرها من المناشط الخيرية، وكانت آخر صلاة له في المسجد الحرام إماماً هي صلاة العشاء في 11 ربيع الأول سنة 1428ه. حادثة الحرم وكان الشيخ محمد السبيل هو الإمام الذي صلى بالناس في صلاة فجر الأول من محرم العام 1400ه الموافق 20 نوفمبر 1979م، عندما اقتحمت المجموعة المسلحة الحرم المكي الشريف عقب الصلاة التي قرأ فيها بسورة "التوبة"، وعقب نهاية الصلاة وقف على رأسه رجلان من الجماعة المسلحة وطلبا منه أن يتقدم ليبايع المهدي المزعوم، وكان أمام الشيخ طفل مسجى، تقدم الشيخ للصلاة عليه طالباً من المسلحين أن يدعوه يصلي على الطفل، وحدثت بلبلة في صحن المطاف، لأن المدعو المهدي وقف بين الركن والمقام لمبايعته، ومع اضطراب الأوضاع انشغل المسلحون عن إمام الحرم فاستطاع الصلاة على الطفل مع أحد إخوته وتمكن أحد المسلحين من الإمساك بمكبر الصوت المخصص للإمام، ووسط حالة الارتباك تلك، تمكن الشيخ السبيل من السير وسط الزحام، ونزل إلى أقبية الحرم، وعمد إلى الاتصال مباشرة بالشيخ ناصر بن حمد الراشد رئيس شؤون الحرم آنذاك، وأخبره بالأمر وأسمعه طلقات الرصاص، ثم خرج الشيخ من أحد أبواب الحرم بعد أن رمى بغترته على كتفه، حيث لم يعرفه أحد من المسلحين، وكان المسلحون قد سمحوا بإخراج المصلين، ومن يرون عليه سمات العلم يطلبون منه العودة لمبايعة المهدي المزعوم. وفاته توفي الشيخ محمد بن عبدالله السبيل، إمام وخطيب الحرم المكي الشريف في مستشفى الحرس الوطني في جدة، يوم الاثنين الموافق 4 /2 / 1434ه، بعد معاناة مع المرض الذي أصابه في الصدر والرئتين، حيث لزم فراش المرض طوال ستة أشهر، وتمت الصلاة عليه بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء الموافق 5 /2 / 1434ه، في المسجد الحرام بمكةالمكرمة، وأم الصلاة عليه الشيخ صالح بن حميد، ونقل جثمانه إلى مقبرة العدل حيث ووري الثرى، وللفقيد من الأبناء الشيخ عمر السبيل إمام الحرم المكي الذي توفي العام 1423ه - رحمه الله - ود. عبدالعزيز وكيل وزارة الثقافة والإعلام سابقاً، ود. عبدالملك عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكةالمكرمة، وعبدالله وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية، وم. أحمد مدير العام التخطيط الحضري بهيئة تطوير الرياض، وعبدالمحسن وآخرون، ونعى الديوان الملكي الشيخ الذي فقد المنبر والمحراب صوته الندي بعد أن شرُف بإمامة الحرم المكي الذي عاش الشيخ في رحابه الطاهر لأكثر من (40) عاماً، يؤم فيها المصلين ويخطب لصلاة الجُمع والأعياد وصلاتي القيام والتراويح، فرحمه الله رحمةً واسعة. الشيخ محمد السبيل كان مميزاً في حسن عباراته ولد في مدينة البكيرية بمنطقة القصيم العام 1345 ه في أحد نشاطاته الدعوية إعداد - منصور العساف Your browser does not support the video tag.