ليس من العدل أن نقول: إن كأس العالم السادسة كباقي النسخ، وإنما هي من ضمن النسخ الفريدة، التي ظلت تحتفظ بأحداث وأسماء عبرت من خلالها، ولا يشاركها غيرها من كؤوس العالم في هذه التفاصيل والأحداث التي سبقت إقامة البطولة أو التي صاحبتها، وعاشت معها طوال أيام المسابقة، وقبل الحديث عما انفردت به هذه النسخة عن باقي النسخ، فإننا نستعرض مكان إقامة البطولة، والذي كان من اليقينيات المسلم بها في المجتمع الدولي الرياضي وظل كذلك حتى العام 2002. السويد الدولة التي احتضنت مونديال كأس العالم 1958م، بعد ظفرها بشرف الاستضافة على حساب الأرجنتين وتشيلي والمكسيك، لكن المؤرخ السويدي برور ياكيز شكك بمعلومة أن السويد المستضيفة، وأكد على أن "المونديال" لم يقام بالسويد أصلاً، وأصدر فيلماً سينمائياً بالتعاون مع المخرج السويدي يوهان لوفستيدت العام 2002، أطلق عليه اسم "مؤامرة 58" واستعرض في الفيلم كيف أن الولاياتالمتحدة الأميركية، وهي من استضاف المونديال أرادت أن تختبر قوة الصناعة التلفزيونية لديها في التأثير. ويقول ياكيز: "دولة بأوضاع السويد الاقتصادية العام 1958، ما كانت لتستضيف بطولة بحجم كأس العالم، ولقد عمدت أميركا إلى تعديل الصور وتحريفها عن الواقع، ولو لاحظنا المباني التي ظهرت وراء ملعب جوتنبرج لم تكن موجود أصلاً في السويد، وإنما هي في لوس أنجلوس على أرض الواقع والحقيقة". ويضيف في أدلته التي يعتمد عليها وحده دونما يشاركه غيره: "ألم يلاحظ العالم أن ظل اللاعبين في الملعب لا يتناسب مع شمس السويد في الصيف وإنما مناسب تماماً لشمس الساحل الشمالي الأميركي". رفض واستهجان الأخبار المفاجئة التي أذاعها المؤرخ السويدي، قوبلت بالكثير من الرفض والاستهجان، ونفاها مهاجم السويد أني سيمونسون وهو من الذين شاركوا في المونديال بقوله: "قريباً لن يوجد أحد يقسم أنه شارك في مونديال السويد، فمع مرور الوقت سيموت كل من وجد في توقيت إقامة البطولة وستفقد السويد اتصالها بالحدث الأكثر أهمية في تاريخ البلاد من الناحية الرياضية". وعوداً إلى أنها من النسخ الفريدة لكؤوس العالم، فيكفي أنها شهدت ميلاد نجم البرازيل إديسون أرانتيس دو ناسيمو، وربما لا يعرف الكثير من الرياضيين عن هذا الاسم شيئاً، ولكن بمجرد أن نقول عنه "بيليه" أو "الجوهرة السمراء" ، فحينئذ لا يجهل هذا الاسم أي شخص لديه اطلاع يسير على كرة القدم، فضلاً عن أن يكون ضالعاً في خفايا وأسرار الكرة المستديرة. بيليه ظهر لأول مرة في كؤوس العالم عبر "مونديال السويد"، ولم يصاحب ظهوره زخماً إعلامياً أو ضجيجاً يستحق الذكر، لكونه بعمر ال17 عاماً ولا يعدو كونه لاعباً ناشئاً يرافق بعثة البرازيل إلى السويد، ولكنه سجل لنفسه رقماً قياسياً بكونه أصغر لاعب في تاريخ كؤوس العالم، ومن هذه البطولة لمع نجم بيليه الذي قاد بلاده البرازيل لتحقيق أول مونديال كروي، بعدما سجل ثنائية في نهائي الكأس، ليسجل لنفسه رقماً قياسياً آخر بكونه أصغر لاعب يسجل في مونديال كرة القدم. أول تغطية فضائية النسخة المونديالية التي شهدت أول تغطية تلفزيونية، انطلقت قبل أن يكتمل عامين على وفاة المؤسس لفكرة البطولة، الفرنسي جول ريميه والذي توفي في أكتوبر العام 1956، بعد أن أهدى العالم أجمع مسابقة كروية تعتبر هي الأفضل والأقوى، وناضل لأعوام عديدة على إزالة المعوقات التي اعترضت البطولة في بدايتها، وبذل جهوده الكبيرة في استمرارية المنافسة، من خلال سن الأنظمة والقوانين التي تضمن استمراريتها على أبعد مدى يمكن له، وبذلك سجلت النسخة نفسها كأول بطولة تلعب بعد وفاة ريميه. نظام البطولة الذي استقر في الأعوام الماضية على أن الدور الأول يلعب من مباراة واحدة ، ثم استبدل إلى أن أصبح مجموعات تلعب بمباراة واحدة، أصبح في هذه النسخة من البطولة يلعب المنتخب الواحد في المجموعة ثلاث مباريات. ألمانيا الغربية التي ضمنت المشاركة باعتبارها بطل النسخة الماضية انضمت إلى مجموعة إيرلندا وتشيكوسلوفاكيا والأرجنتين، فيما شاركت فرنسا ويوغسلافيا والباراغواي وإسكتلندا في المجموعة الثانية، والسويد التي شاركت باعتبارها البلد المستضيف ضمت في مجموعتها ويلز والمجر والمكسيك، والتقت البرازيل بمجموعتها الرابعة مع الاتحاد السوفيتي وإنجلترا والنمسا. كارثة جوية تأهل ألمانياوإيرلندا، وفرنسا ويوغسلافيا عن المجموعة الثانية، وبصدارة المجموعة الثالثة تأهلت السويد رفقة ويلز، والبرازيل والاتحاد السوفيتي تأهلا عن المجموعة الرابعة، وجميع هذه النتائج لم تكن مفاجئة أو حدثاً غريباً، بل حتى خروج منتخب إنجلترا لا يمكن تصنيفه بالأمر المفاجئ، بالنسبة لمنتخب فقد جزءاً كبيراً من لاعبيه، الذين لقوا حتفهم بسبب كارثة ميونيخ الجوية، وهي الحادثة التي تعرف بسقوط طائرة تابعة للخطوط الجوية البريطانية، ومن بين الركاب كانت بعثة مانشستر يونايتد المتجهة إلى إنجلترا، عائدة من صربيا بعد هزيمة النجم الأحمر، لكن عاصفة ثلجية أجبرت الطائرة على تغير مسارها إلى ميونيخ، قبل أن تحل الكارثة التي أودت بحياة جميع لاعبي "مان يونايتد" ومدربهم بوب ببسي. وداع حزين للبطل في دور ربع النهائي استطاعت السويد أن تقصي الاتحاد السوفيتي 2 - صفر، واكتسحت فرنسا منافستها إيرلندا 4 - صفر، ولم يستطع المنتخب اليوغسلافي أن يعادل ألمانيا الذي انتصر 1 - صفر عليه، وتجاوزت البرازيل المنتخب الويلزي في ظهوره الأول 1 - صفر . بطل النسخة الماضية، يودع من دور نصف النهائي، بعد أن استطاع منتخب السويد أن يهزمه 3 - 1، لتنتهي مسيرة ألمانيا الغربية عند هذا الدور، فيما انتصرت البرازيل على فرنسا 5 - 2، وكان الفضل الكبير لوصول البرازيل إلى النهائي العالمي للفتى الأسمر بيليه الذي سجل هاتريك في شباك الفرنسي كلود أبيه. "الجوهرة السمراء" يتألق البرازيلوالسويد إلى نهائي كأس العالم، هذا هو المشهد النهائي الذي ينتظر أن تغلق به البطولة أبوابها، فوق أرضية ملعب روسوندا والتي شهدت مدرجاته حضور 51 ألف متفرج، أطلق الفرنسي ماوريسي جويجي صافرة البداية، ولم يمض الكثير من الوقت حتى سجلت السويد أولاً عبر لاعبها نيلس ليدهولم، وبعد خمس دقائق أدرك البرازيلي إدفالدو نيتو التعادل، وقبل أن يلفظ الشوط الأول أنفاسه عاد نيتو لتسجيل الهدف الثاني للسامبا، وبعد عشرة دقائق من انطلاقة الشوط الثاني سجل الشاب بيليه هدفاً ثالثاً لبلاده، وعزز بعدها ماريو زاغالو تقدم البرازيل بالهدف الرابع، قبل عشرة دقائق قلص إجني سيمونسون نتيجة المباراة بالهدف الثاني للسويد، لكن بيليه عاد لتوسيع الفارق مع الدقيقة الأخيرة بعد أن سجل خامس أهداف البرازيل في مرمى السويد. "السامبا" وأول الألقاب البرازيل التي خذلت جماهيرها في ماراكانا العام 1950 والتي ودعت مونديال سويسرا 1954 بعد مباراة ماراثونية أمام المجر، بات عليها اليوم ومع صافرة نهاية مونديال السويد أن تحتفل بأول ألقابها العالمية، بيليه الشاب الأسمر الذي ولد في ملاعب كرة القدم، وسجل لنفسه أولوية المشاركة كأصغر لاعب في تاريخ كؤوس العالم، وأصغر لاعب يسجل هدفاً في نهائيات كأس العالم، استطاع أن يسجل لنفسه أولوية أنه البرازيلي الذي خلع ثوب الحزن عن مدرجات الماراكانا وأعاد الضجيج إلى مدينته الساحلية سانتوس. ولأنها بطولة الأولويات وبيليه هو أصغر لاعب خاضها، فإن السويدي نيلس ليدهولم صاحب الهدف الأول في نهائي المونديال، هو أول لاعب يشارك في نهائي المونديال بعمر 35 عاماً، وإلى جانب أولويته هذه استطاع أن يكون أكبر لاعب يسجل في تاريخ المونديال بعد أن أحرز الهدف الأول لصالح منتخب بلاده السويد. مجموع الأهداف التي تم تسجيلها في هذه البطولة بلغ 128 هدفاً، أقل بكثير من أهداف النسخة الخامسة، سجل الفرنسي جوست فونتين 13 هدفاً منها، واستطاع بيليه رغم أنه لم يشارك في جميع المباريات تسجيل ستة أهداف ليحتل مرتبة الوصافة، وشاركه فيها الألماني هيلموت راهن بالرصيد ذاته، وجاء ثالثاً البرازيلي فافا بخمسة أهداف. كأس السعادة والحزن البطولة التي جلبت للبرازيل السعادة، هي ذاتها التي رسمت الحزن على وجوه الإيطاليين، فإيطاليا بطلة نسختين ماضيتين فشلت في أن تكون ضمن المنتخبات المشاركة في النسخة السادسة لمونديال كأس العالم، كان هذا الحدث غريباً على منتخب اعتاد الوجود الدائم في كؤوس العالم، ومنذ هذه النسخة التي غابت فيها إيطاليا عن كأس العالم، ظلت مستمرة الحضور في جميع النسخ التي أعقبتها، باستثناء مونديال روسيا الصيف المقبل فإن إيطاليا عادت للغياب لأول مرة منذ العام 1958. هدف برازيلي تحت أنظار «الجوهرة السوداء» بالرقم عشرة قائد البرازيل يرفع لقب كأس العالم 1958 Your browser does not support the video tag.