كما عودتنا دائماً بأنها تشكل مقصد العرب عند الملمات، والمكان الأنسب للقرارات الشجاعة، والحكيمة، أثبتت المملكة العربية السعودية، التي استضافت القمة العربية في الظهران، أن النهوض العربي قادم رغم ما يعتري الأمة من أزمات وانتكاسات. فالقمة التي انعقدت برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، جاءت في الواقع، لتمثل رافعة حقيقية للعمل العربي المشترك، وتأكيد الدعم العربي القوي والثابت لقضية العرب المركزية القضية الفلسطينية. حيث تعهد زعماء الدول العربية في البيان الختامي لقمة القدس بالعمل على تقديم هذه القضية المهمة والمحورية، ناهيك عن تشديد القادة العرب على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك والتضامن لمواجهة الأخطار التي تواجه الدول العربية وتهدد أمنها واستقرارها، بالإضافة إلى دعم الاستراتيجيات لصيانة الأمن القومي العربي. وهذه القرارات ما كانت لتكون لولا ذلك الثقل العربي والإسلامي الذي تمثله الدولة المضيفة للقمة في مدينة الظهران، والمواقف المبدئية لقيادتها الحكيمة والشجاعة والثوابت الراسخة في سياسة المملكة منذ تأسيسها. ولو توقفنا روية عند القرارات الكبيرة التي نتجت عن هذه القمة التي أسماها خادم الحرمين الشريفين بقمة القدس، نلاحظ بوضوح ذلك الحضور القوي للهموم العربية الكبرى والمصيرية على جدول الأعمال، في قمة تأتي وسط أحداث كبيرة وتفاعلات تعصف بالمنطقة، إذ أثبت البيان الختامي أن القضية الفلسطينية ورغم أزمات المنطقة كانت وتبقى الهم العربي الأول، والسعودي بشكل خاص، حيث لم يكتف خادم الحرمين الشريفين كالعادة بالمواقف اللفظية الكلامية، وإنما ترجم دعم المملكة بشكل عملي عندما أعلن وخلال الجلسة الافتتاحية للقمة عن تبرع بلاده بمبلغ 200 مليون دولار للشعب الفلسطيني، مؤكداً أن 150 مليون دولار من المبلغ ستخصص لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس وباقي المبلغ لوكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. ما يؤكد للقاصي والداني أن فلسطين في ضمير الشعوب العربية، وفي مقدمة اهتمام المملكة على مر التاريخ ولا أحد يزايد على ذلك الموقف العربي والإسلامي". والحقيقة أن من يتابع نص البيان الختامي للقمة، يلحظ بوضوح أهمية تسلسل الأولويات العربية، حيث أكد القادة المجتمعون على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على منهجية واضحة وأسس متينة تحمي أمتنا من الأخطار المحدقة بها وتصون الأمن والاستقرار وتؤمن مستقبلا مشرقا واعدا يحمل الأمل والرخاء للأجيال القادمة تسهم في إعادة الأمل لشعوبنا العربية التي عانت من ويلات الربيع العربي وما تبعه من أحداث وتحولات كان لها الأثر البالغ في إنهاك جسد الأمة الضعيف ونأت بها عن التطلع لمستقبل مشرق، كما جاء في نص البيان الختامي، الذي أكد خطورة الظروف والمتغيرات المتسارعة على الساحتين الإقليمية وما يحاك من مخططات تهدف إلى التدخل في الشؤون العربية الداخلية وزعزعة الأمن القومي العربي وزرع الفتن إذكاء الطائفية وتحطيم الهوية الوطنية وتهميش الدور العربي القومي. وهي ظروف دفعت بالقمة إلى التأكيد بقوة على ضرورة التكاتف العربي للتصدي لهذه المخاطر. وعزم العرب على مواجهة تدخل دول وأطراف خارجية في شؤون المنطقة وفرض أجندات غريبة تتعارض مع ميثاق الأممالمتحدة وقواعد القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان وتنشر الفوضي والجهل والإقصاء والتهميش. وأكدت قمة القدس بشكل لا يقبل اللبس والتأويل على مركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمة العربية جمعاء، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقيةالمحتلة، عاصمة دولة فلسطين، والعمل الجاد من أجل السلام الشامل والدائم في الشرق الأوسط كخيار عربي استراتيجي تجسده مبادرة السلام العربية التي تنتهجها جميع الدول العربية في قمة بيروت في العام 2002م والتي تدعمها بقوة منظمة التعاون الإسلامي باعتبارها الخطة الأكثر شمولية لمعالجة جميع قضايا الوضع النهائي وفي مقدمتها قضية اللاجئين. أما مركز القوة والثقل فقد كان في التأكيد على بطلان وعدم شرعية القرار الأميركي بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والرفض العربي القاطع لنقل السفارة الامريكية إلى القدس، مع التحذير من أن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تغيير الصفة القانونية والسياسية الراهنة للقدس حيث سيؤدي ذلك إلى تداعيات مؤثرة على الشرق الأوسط بأكمله. كما أن تأكيد الرفض العربي لكل الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب التي تهدف إلى تغيير الحقائق على الأرض وتقويض حل الدولتين، ومطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334 عام 2016م الذي يدين الاستيطان ومصادرة الأراضي، والمطالبة بتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالقدس المؤكدة على بطلان كافة الإجراءات الإسرائيلية الرامية لتغير معالم القدسالشرقية ومصادرة هويتها العربية الحقيقية، بالإضافة إلى مطالبة دول العالم بعدم نقل سفاراتها إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل. ما يؤكد صلابة الموقف العربي من قضية القدس في هذه القمة، ويقطع الطريق على من أرادوا الاصطياد في الماء العكر، في هذا الشأن. أما حول الاعتداءات والتدخلات الخارجية في منطقتنا فقد كان القادة العرب شديدي الوضوح عندما أدانوا بكل قوة ما تعرضت له المملكة العربية السعودية من استهداف لأمنها عبر إطلاق ميليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران عشرات الصواريخ الباليستية على مكةالمكرمة والرياض وعدد من مدن المملكة، مؤكدين من جديد دعمهم ومساندتهم للمملكة بلاد الحرمين الشريفين في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها ومقدراتها من عبث التدخل الخارجي وأياديه الآثمة، ونطالب المجتمع الدولي بضرورة تشديد العقوبات على إيران وميليشياتها ومنعها من دعم الجماعات الإرهابية المسلحة ومن تزويد ميليشيات الحوثي الإرهابية بالصواريخ الباليستية التي يتم توجيهها من اليمن للمدن السعودية والامتثال للقرار الأممي رقم (2216) الذي يمنع توريد الأسلحة للحوثيين. بالإضافة إلى مساندة جهود التحالف العربي لدعم لشرعية في اليمن لإنهاء الأزمة اليمنية على أساس المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرار مجلس الأمن 2216 عام 2015م وبما يؤمن استقلال اليمن ووحدته الترابية ويمنع التدخل في شؤونه الداخلية مع التأكيد بقوة على رفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وإدانة المحاولات العدوانية الرامية إلى زعزعة الأمن وبث النعرات الطائفية وتأجيج الصراعات المذهبية لما تمثله من انتهاك لمبادئ حسن الجوار ولقواعد العلاقات الدولية ولمبادئ القانون الدولي ولميثاق منظمة الأممالمتحدة. Your browser does not support the video tag.