لم تعد مشكلات السيول والأمطار وحدها هي من تؤرق سكان المدن، فقد عاد الجدل، وعادت الأحاديث حول معاناة مدينة جدة، وذلك بعد أن غمرت المياه قطعة أرض شرع مالكها في البناء في شارع حراء، لتتحول إلى بحيرة من المياه تحركها نسمات رياح البحر الأحمر في كل اتجاه. ويتخوف الكثير من خطورة وضع البحيرة، خاصةً في ظل ضعف إجراءات السلامة، وأن موقع الأرض سبق وأن شهد سقوط إحدى المركبات قبل أن يتم إنقاذ سائقها. وحاولت "الرياض" الحصول على رد من قبل أمانة محافظة جدة، والتعليق على تجمع كميات المياه الكبيرة في شارع حراء، إلاّ أنه لم يتم الرد على اتصالاتها، إلاّ أنها فتحت ملف المياه الجوفية مع بعض المختصين في الجيولوجيا، للحديث عن المسببات، والبحيرة التي تشكلت، إضافةً إلى طرح بعض الحلول المختصرة. مشكلة مؤرقة في البداية قال د. بدر بن عبده حكمي - أستاذ الجيولوجيا الهندسية والبيئية، ووكيل كلية علوم الأرض للدراسات العليا والبحث العلمي -: إن المياه الجوفية مشكلة تؤرق مدينة جدة، وإحدى المشكلات التي تواجهها منذ زمن، والتي قد تتفاقم خلال الفترة المقبلة، جاء ذلك خلال تعليقه على الأرض التي تحولت إلى بحيرة في شارع حراء شمال مدينة جدة، بعد أن غمرتها المياه أثناء حفرها، مشيراً إلى أن هناك الكثير من الحلول لتقليل المياه الجوفية، ولكنها مكلفة جداً، مضيفاً أن الأسباب التي أدت إلى تحول أرض حراء إلى بحيرة من المياه يعود إلى مياه البحر، وتسربها داخل المدينة ذات التربة الرملية، حيث تمر عبر الرمال إلى داخل الأحياء، وهو ما جعلها مرتفعة بشكل كبير، لافتاً إلى أنه ومع عمليات الحفر المستمرة التي يشهدها عدد من أحياء مدينة جدة لغرض البناء، بدأت تتفشى مياه البحر في داخل الأحياء بشكل متزايد، ذاكراً أنها مياه مالحة، ومع تكرار عمليات الحفر تدخل وتتسرب إلى أساسات المباني، وقد تتسبب في مشكلات كبيرة قد تؤدي إلى تشققاتها، ومن ثم قد تصل إلى الهدم، والإنهيار، مؤكداً على أن هناك حلولاً للمياه الجوفية، ولكنها مكلفة جداً من الناحية المالية، وتحتاج إلى تعاضد الكثير من الجهات الحكومية، ولا تنحصر على دور أمانة جدة، وأن أبرز الحلول يتمثل في إنشاء شبكة لتصريفها، تعتمد على عدة طرق متنوعة. وأضاف أن مشكلة المياه الجوفية في مدينة جدة تحتاج إلى تدخل، وإيجاد حل جذري لها، مبيناً أنها تحتاج إلى دراسات، مرجعاً وجود المياه الجوفية إلى اختراق مياه البحر للأحياء من الغرب باتجاه الشرق، إضافة إلى حدوث تسربات في شبكة مياه التحلية، وعدم وجود طريقة مثلى لتصريف مياه السيول والأمطار، ناصحاً المواطنين الراغبين في شراء أرض أن تكون لديه فكرة واعية من الناحية الجيولوجية لإيجاد أفضل الحلول للبناء، وأقل تكلفة، لاسيما في ظل زيادة المياه الجوفية في باطن الأرض في مدينة جدة. استكمال الشبكات وأوضح م. رفعت باسروان - مختص في إدارة الكوارث - أن ظاهرة تحول أرض إلى بحيرة في شارع حراء ليست غريبة على معظم مناطق جدة، مضيفاً أنه ومن المعروف وبحسب الدراسات ومنها دراسة قسم المياه بهيئة المساحة الجيولوجية السعودية أكدت على أن هناك ارتفاعاً واضحاً لمستوى المياه الجوفية، وأرجعته لعدة أسباب، ولعل من أهمها وجود بحيرة الصرف شرق جدة، وعدم استكمال شبكات التصريف سواء للأمطار، أو للصرف الصحي، وأيضاً ضعف نفاذية التربة التي تحول دون تصريف المياه للعمق، مبيناً أن منطقة شارع حراء سبق وأن ظهرت هذه الحالة في كثير من المشروعات، وبعضها كان يلاحظ أن منسوب المياه أيضاً يتغير بين المساء والصباح مما يؤكد أن هناك علاقة أيضاً يبن ارتفاع المنسوب والمد والجزر بالبحر. وعن علاج هذه المشكلة، أكد على أن هناك عدة حلول أبرزها استكمال شبكات التصريف، ومنع التسربات من شبكات المياه والخزانات الأرضية للمباني، وإيجاد حلول لمجاري السيول. وفما يتعلق بخطورة ذلك على المباني، أشار إلى أنه بنظرة هندسية يرى أن ما يشتكي منه أغلب أصحاب المباني بجدة خاصةً في المناطق التي تحتوي على طبقة متذبذبة من المياه الجوفية هو التشققات والهبوط في بعض أنحاء المباني، إضافةً إلى تآكل حديد التسليح غير المجلّفن بالقواعد والميدات، والذي يسبب ظهور الصدوع فيها، وقد يؤثر على العمر الافتراضي للمبنى. تربة طينية ورأى م. باسروان أن البناء على التربة الصخرية، أو التي لا يوجد فيها نسبة كبيرة من المياه هو أفضل، ولكن لنوع التربة بمنطقة جدة والتي يشكل الطين معظمها تبقى مسألة استخدام الطرق والوسائل الهندسية ضرورية للتعامل مع مثل هذه النوعيات من التربة، ذاكراً أن كود البناء قد أخذ في الحسبان بعض هذه الظروف، مشيراً إلى خطورة المياه الجوفية على جدة لاسيما في حال حدوث زلازل، وأن المحافظة على ساحل البحر الأحمر معرضة للزلازل بحكم قربها من الفالق التباعدي في وسط البحر الأحمر، والتصدعات العرضية في صفيحة الدرع العربي، مضيفاً: "المتعارف عليه أن الفوالق التباعدية نادراً ما تسبب زلازل أقوى من أربع درجات على مقياس رختر، إلاّ أن ارتفاع مستوى المياه الجوفية قد يتسبب بما يعرف بظاهرة التميؤ للتربة، وهي ظاهرة معروفة، وحدثت في بعض دول العالم، وكان آخر تسجيل لها في زلزال نيوزلندا العام 2011م"، مؤكداً على أن ظاهرة تميؤ التربة تعني أن الاهتزازات الزلزالية تقوم بتمييع التربة مع الماء، فيقل تماسكها تحت المباني والشوارع وغيرها مما يتسبب بهبوط وغرق المنشآت داخل الأرض، أو سقوطها على أحد الجوانب بالكامل. صيانة دورية يُذكر أن هيئة المساحة الجيولوجية أوصت قبل بضعة أعوام بضرورة سرعة استكمال شبكات الصرف الصحي في مدينة جدة، وإلغاء حفر تصريف "البيارات"، واستكمال شبكات تصريف مياه الأمطار والسيول، وعمل صيانة دورية، ودعت حينها إلى نقل موقع بحيرة الصرف الصحي الواقعة شرقي محافظة جدة، وتم إغلاقها، وطلبت توفير محطات المعالجة اللازمة التي تستوعب كمية الصرف الصحي، وآبار لمراقبة منع التسريبات منها، وكذلك إصلاح ومراقبة التسريبات من الشبكات، وخزانات المياه المختلفة، وعمل شبكة من الآبار موزعة داخل محافظة جدة، مزودة بمضخات لسحب المياه وتخفيض المنسوب إلى المستويات المطلوبة، إضافةً إلى وقف أعمال الري العشوائي للمزروعات في الحدائق والطرق، ومراقبة نوعية المياه فيها، ونشر الوعي بمخاطر الملوثات المختلفة، والترشيد في استهلاك المياه بين السكان. مجموعة أسباب وكشفت دراسات علمية عن وجود مجموعة من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع المياه الجوفية في محافظة جدة، أبرزها التسرب من شبكات مياه الشرب، والترشيح من حفر الصرف - البيارات - التي تستخدم مياه الصرف في ظل غياب شبكات الصرف الصحي وعدم اكتمال شبكاتها، وكذلك التغذية من الأمطار، والإفراط في الري، والتسرب من خزانات مياه الشرب الأرضية، إضافةً إلى التصريف من الأودية الشرقية، والتأثيرات الهيدروجيولوجية، حيث تلعب الخصائص الهيدروجيولوجية دوراً مهماً في زيادة منسوب المياه الجوفية. الأراضي الأخرى مُهددة بالمشكلة نفسها مع بدء عمليات البناء م. رفعت باسروان د. بدر حكمي Your browser does not support the video tag.