في ذكرى زواجه الأربعاء المقبل، لن يكون بمقدور عبدالحميد اليوسف أن يحتفل في منزله الخالي إلا من ذكريات مؤلمة، بعدما حرمه هجوم كيميائي على مدينة خان شيخون قبل عام من زوجته وطفليه و16 فرداً من أسرته. تعرضت مدينة خان شيخون في محافظة إدلب (شمال غرب) في الرابع من أبريل 2017، لهجوم بغاز السارين أودى بحياة أكثر من 80 شخصاً بينهم 30 طفلاً، ويعد الهجوم، الذي قال محققو الأممالمتحدة أن لديهم أدلة على أن قوات النظام هي التي شنته، من بين الأكثر دموية في الحرب السورية التي دخلت عامها الثامن. في حديقة منزله، يقول اليوسف (29 عاماً) لوكالة فرانس برس "لقد فقدت شيئاً من جسدي، شيئاً من روحي وحياتي، لم أعد أشعر بمعنى الحياة بعدما فقدتهم". فقد هذا الشاب زوجته دلال وطفليه التوءم أحمد وآية اللذين لم يتجاوز عمرهما حينها 11 شهراً، اضافة الى 16 فرداً من أسرته بينهم شقيقه وأطفاله وأولاد عمه. إثر الهجوم، تصدرت صورة اليوسف وهو يحمل طفليه القتيلين وسائل الاعلام حول العالم، ومنذ ذلك الحين، لا ينفك الوالد المفجوع عن زيارة قبور عائلته بشكل دوري، ينظف ما يحيط بها من أعشاب وأشواك، ويجلس قربها بعض الوقت قبل أن يعود وحيداً وحزيناً إلى منزله. ويقول الرجل النحيف الذي يرتدي قميصاً أزرق اللون "ما زلت أعجز عن النظر إلى صورهم خصوصاً في هذه الذكرى المؤلمة. أول ما اتذكره هو ما كنا نفعله قبل يومين من الهجوم"، موضحاً أن أكثر ما آلمه هو حدوث الهجوم في اليوم الذي يصادف ذكرى زواجه. ويوضح "كنا قد احتفلنا في اليوم السابق للمجزرة، حتى أن زوجتي استشهدت في القاعة التي احتفلنا فيها بعرسنا". لا يقوى اليوسف على متابعة كلامه ويجهش بالبكاء، ثم يقول جازماً "لن أبدأ حياة جديدة، طالما أن المجرم موجود، ما أتمناه من المجتمع الدولي هو الإسراع بمحاسبة المجرم بشار الأسد". بعد يومين من هجوم خان شيخون، ورغم نفي دمشق وحليفتها موسكو مسؤولية القوات الحكومية عنه، شنت الولاياتالمتحدة ضربات جوية ضد قاعدة الشعيرات العسكرية التابعة للجيش السوري في وسط البلاد. وأظهرت صور التقطها ناشطون معارضون بعد هجوم خان شيخون جثثاً هامدة على الأرض، ومصابين بحالات تشنج واختناق، وتحدث الأطباء عن عوارض اختلاجات وتقبض حدقات العيون وافرازات رغوية شديدة ونقص اوكسيجين، وهي عوارض تنتج عادة عن غاز السارين الذي اتُهمت قوات النظام باستخدامه. في 29 يونيو، أكدت المنظمة الدولية لحظر الاسلحة الكيميائية ان غاز السارين استخدم في الهجوم على خان شيخون من دون تحديد مسؤولية اي طرف، ليعلن خبراء في اللجنة المشتركة بين الاممالمتحدة ومنظمة حظر الاسلحة الكيميائية في 26 اكتوبر، ان النظام السوري مسؤول بالفعل عن الهجوم. الا ان موسكو رفضت الاقرار بهذا الاتهام. في الهجوم، فقد أحمد اليوسف (20 عاماً) والديه وشقيقيه محمد (10 سنوات) وعمار (خمس سنوات). ولا ينسى الشاب الأسمر البشرة تفاصيل ذلك اليوم، الذي بدأه بعدما أيقظته والدته من أجل الصلاة ثم غادر المنزل للعمل في الأرض حاملاً معه دعاء والدته "بأمن الله وأمانه". لم يمر سوى وقت قصير حتى عاد مسرعاً ليجد أنه فقد أعز الناس إلى قلبه. ويقول "هذه التفاصيل لا تُنسى لأنها أصبحت جحيماً لا يمكن نسيانه. هذا اليوم الذي فقدت فيه أهلي (...) اليوم الذي تغيرت فيه حياتي ولم يبق لي سند. بت وحيداً". ويتابع "أراهم حين أعود إلى البيت، وحين أخرج منه، هم دائماً في بالي". ومنذ بدء النزاع السوري في مارس 2011، اتُهمت قوات النظام مرات عدة باستخدام اسلحة كيميائية، لا سيما بعد هجوم اغسطس 2013 الذي تسبب بمقتل المئات من المدنيين في الغوطة الشرقية قرب دمشق. وتكررت مؤخراً الاتهامات لدمشق باستخدام المواد الكيميائية خصوصاً في الغوطة الشرقية التي تتعرض منذ شهر ونصف لحملة عسكرية، دفعت بالفصائل المعارضة للموافقة على اتفاقات للخروج منها. وهددت واشنطن وباريس بشن ضربات في حال توفر "أدلة دامغة" على استخدام السلاح الكيميائي. وعلى غرار أحمد، فقد الشاب محمد الجوهر (24 عاماً) والديه وأفراداً آخرين من عائلته. ويقول الطالب في كلية التربية في جامعة ادلب "لم يبق لدي دافع للحياة (...) لا يتحمل عقل الإنسان أن يموت كل هؤلاء في يوم واحد: أمك وأبوك وجيرانك وأقرباؤك". على غرار آخرين، يلقي الجوهر باللوم على المجتمع الدولي الذي تعهد وفق قوله "بمحاكمة ومعاقبة الأسد". ويضيف بأسى "حتى أننا اعتبرنا الشهداء الذين فقدناهم خيراً للبلد، وستنتهي الحرب بسببهم" لكن ما حصل لم يكن أكثر من "مجرد تهديدات فارغة". لا يقوى الجوهر اليوم على ترك أخوته الناجين وحدهم. يقول "لا أؤمن على أن أترك إخوتي، لأنني في المرة الماضية غادرت صباحاً لساعتين، وعدت لأجد والديّ ميتين". Your browser does not support the video tag.