وأكثر ما نجدها في هجاء المتنبي لكافور، لقد كان هجاؤه مُرّاً يسخر فيه المتنبي من نفسه ومن كافور، وهي سخرية مظلمة، لأن المتنبي وضع نفسه في ورطة حقيقية، فقد رحل لكافور راجياً، ومدحه مدحاً متواصلاً، ثم انقلب عليه بشكل عنيف مخيف، رغم أن كافور أجزل له العطاء، لكن المتنبي كان يريد ولاية، وكافور أذكى من أن يفعل ذلك لأنه يعرف أن المتنبي سوف يثور عليه لو أعطاه ولاية، لأن طموح المتنبي بلا حد، والإمارة محبوبته الأبدية التي لم ينل منها أي وصال، ظن المتنبي أنه سيضحك على كافور لكن الأخير عرف هدفه، وغضب المتنبي بشراسة أن ينال الإمارة مثل كافور - في اعتقاده - ويحرم منها من هو مثل أبي الطيب! لذلك كان هجاؤه لكافور يقطر بالسخرية المرة: أُرِيكَ الرّضَى لوْ أخفَتِ النفسُ خافِيا وَمَا أنَا عنْ نَفسي وَلا عنكَ رَاضِيَا أمَيْناً وَإخْلافاً وَغَدْراً وَخِسّةً وَجُبْناً، أشَخصاً لُحتَ لي أمْ مخازِيا تَظُنّ ابتِسَاماتي رَجاءً وَغِبْطَةً وَمَا أنَا إلاّ ضاحِكٌ مِنْ رَجَائِيَا وَتُعجِبُني رِجْلاكَ في النّعلِ، إنّني رَأيتُكَ ذا نَعْلٍ إذا كنتَ حَافِيَا وَيُذْكِرُني تَخييطُ كَعبِكَ شَقَّهُ وَمَشيَكَ في ثَوْبٍ منَ الزّيتِ عارِيَا وَلَوْلا فُضُولُ النّاسِ جِئْتُكَ مادحاً بما كنتُ في سرّي بهِ لكَ هاجِيَا فأصْبَحْتَ مَسرُوراً بمَا أنَا مُنشِدٌ وَإنْ كانَ بالإنْشادِ هَجوُكَ غَالِيَا فإنْ كُنتَ لا خَيراً أفَدْتَ فإنّني أفَدْتُ بلَحظي مِشفَرَيكَ المَلاهِيَا وَمِثْلُكَ يُؤتَى مِنْ بِلادٍ بَعيدَةٍ ليُضْحِكَ رَبّاتِ الحِدادِ البَوَاكِيَا Your browser does not support the video tag.