حين قرأت لأول مرة سيرة غاندي لم أصدق أن شخصاً كهذا يمكن أن يعيش على كوكب الأرض.. أعتقد أنه لو ادعى النبوة - في زمانه - لاتبعه ملايين البسطاء في الهند من فرط حبهم واحترامهم له. كان مخالفاً لكل المعايير البشرية والتصرفات المتوقعة من أي إنسان يتعرض للظلم والاضطهاد، فخلال مقاومته للاحتلال البريطاني رد على العنف باللاعنف، والاضطهاد بالتسامح، والظلم بالعفو، والقسوة بالمحبة والنسيان.. ورغم أنه ولد لأسرة ميسورة، وتعلم في بريطانيا، وأصبح قائداً في الهندوجنوب إفريقيا؛ زهد في الدنيا وتخلى عن المناصب وعاش بين الفقراء يحلب معزته ويزرع طعامه بنفسه. ولد في 2 أكتوبر 1869 لأسرة هندوسية ثرية من بوربندر، واسمه الحقيقي موهانداس كرمشاند غاندي، (وكلمة المهاتما تعني الروح الطيبة التي وصفه بها شاعر الهند العظيم طاغور). كان أباً روحياً لجميع الهنود، ويعود له الفضل في تحرير الهند واستقلالها عن بريطانيا العام 1947.. بعثه والده إلى لندن لدراسة القانون، الأمر الذي ساهم في اطلاعه على الحقوق المدنية الغربية، وفهم الطريقة التي يفكر بها الإنجليز.. وبعد تخرجه عاد إلى الهند ليعمل محامياً، ولكنه انتقل العام 1893 للعمل في جنوب إفريقيا.. وهناك عمل بين أفراد الجالية الهندية التي استقدمها الإنجليز للعمل في جنوب إفريقيا (التي كانت بدورها خاضعة للسلطة البريطانية).. تفاجأ فور وصوله بفظاعة القوانين العنصرية (التي لم يشعر بها في الهند بسبب كثافتها البشرية)، والتعامل مع السود والأقليات المهاجرة كعرق أدنى. وهناك حادثة على وجه التحديد غيرت حياته، وحولته إلى مدافع عن حقوق الأقليات في جنوب إفريقيا.. ففي 21 مايو 1893 كان يسافر في القطار في مقصورة الدرجة الأولى مرتدياً بدلة إنجليزية غالية الثمن.. لم يكن يعرف أن القوانين تمنع الهنود من ركوب الدرجة الأولى، فاشتكاه الركاب البيض، فتم طرده بالقوة وإنزاله من القطار في منطقة نائية.. قرر التوقف عن العمل كمحامٍ للتجار والأثرياء، والدفاع عن حقوق الفقراء والمضطهدين.. أسس حزباً خاصاً بالعمال الهنود، ونشر صحيفة تتحدث بصوتهم، ودعاهم لترك العمل في مزارع البيض، والسكن في منطقة جديدة خارج مدينة دربان.. ورغم أنه لم يلجأ للعنف، ولم يحرض أتباعه على المقاومة المسلحة؛ تعرض للسجن عدة مرات، وأفرج عنه عدة مرات، واضطر للتنازل عدة مرات. وبعد 22 عاماً من الكفاح السلمي في جنوب إفريقيا قرر العودة إلى الهند العام 1915.. وفي الهند أدرك معاناة الفقراء، فتخلى عن ممتلكاته وملابسه الإفرنجية، واكتفى بقماش أبيض يلفه حول جسده.. كان يأكل مما يزرع، ويستخدم نولاً يدوياً يغزل به ملابسه بنفسه.. وحين فرضت السلطات البريطانية ضريبة على مبيعات الملح نظم مسيرة سلمية سارت 400 كلم لاستخراج الملح من البحر، انضم إليها ملايين الفقراء، كانت أول تطبيق لمبدأ اللاعنف وسياسة العصيان المدني (أو الساتياجراها)، التي تبناها كثيرًا ضد البريطانيين حتى نجح في إخراجهم من الهند.. Your browser does not support the video tag.