مع تسارع وتيرة التوطين وتبني إستراتيجيات ومبادرات فاعلة تزيد من إقبال الشباب السعودي من كلا الجنسين، إلا أن مسألة الحفاظ على استمراريتها وضمان عدم تسربها يعد تحدياً بالغ الأهمية خاصة في أهم القطاعات القادرة على إنجاح خطط التوطين كقطاع التجزئة الذي بدأ باستقبال أعداد كبيرة من الشباب. "الرياض" في هذا الاستطلاع تقف ميدانياً على تجربة التحاق عدد من الشباب العاملين في محال تجارية لسؤالهم عن أهم العوامل والمطالب التي تضمن بقاءهم بوظائفهم، إذ إن غالبية شكاوى أصحاب العمل هي عدم جدية الشباب وتركهم للوظيفة بعد فترة قصيرة من التحاقهم بها. بداية تجاوز الشاب عبدالكريم السهلي كل الصعوبات والمعوقات التي تقف أمام عمل الشباب السعودي في محال التجزئة والتحق بوظيفته منذ سنة ونصف تقريباً متسلحاً بالإرادة أولاً ثم الدعم والتشجيع من الأهل والأصدقاء، مؤكداً على أنه بدأ التفكير بتملك محله الخاص والعمل فيه بنفسه ولكن تنقصه الخبرة التي يحاول اكتسابها من عمله الحالي، وعن التحديات التي تواجهه قال إنهُ يعاني من مضايقات المدير الأجنبي ومحاولته دفعه لترك العمل كأن يطلب منهم تنظيف المحل وهذا الأمر يخالف العقد إضافة إلى عدم وجود ترقيات وحوافز وإجازة اليوم الواحد، مؤكداً أنه حان الوقت لكي يتم دعم الشباب والشابات السعوديين بحيث تكون هناك قرارات تُلزم جميع أصحاب الشركات ومحلات التجزئة بعدد ساعات عمل محددة لا تزيد على ثمانية ساعات، كما يتم إلزامها بمنح العاملين فيها إجازة أسبوعية لمدة يومين، مع تغريم من يخالف تلك الأوقات وذلك لإعطاء الشاب فرصة الاجتماع بعوائلهم وأصدقائهم أو حضور مناسبة اجتماعية لأن أكثر ما يعانيه من يلتحق بهذه الوظائف غيابه عن اجتماعاته العائلية أو انقطاعه عن أصدقائه. وأضاف الشاب راكان العمري أنه على الباحثين عن عمل الاستعداد والتهيئة لاختيار ما يناسبه من الخيارات المتعددة وهذا بلا شك يعتمد على قدرتهم على التكيّف خاصة وأن البعض ينقصه التأقلم مع القطاع الخاص، كما يجب التركيز والحرص على التدريب والتأهيل واكتساب الخبرات، وأن ما يشعره بالاستقرار والراحة النفسية في عمله هو وجود الكادر الوظيفي من الشباب السعودي المتعاون والمتحمس للعمل الجاد حتى إن منهم من بدأ يفكر في تملك المحلات التجارية وليس فقط مجرد العمل بها. وكل ما يأمله العمري هو تحديد ساعة الإغلاق في الساعة التاسعة مساءً ومن يلزم الشاب السعودي لما بعد الساعة التاسعة يلزم بدفع خارج دوام، مؤكداً أن تحديد ساعات العمل سيعتبر أكبر حافز لنجاح جهود التوطين والسعودة. كما عبر الشاب مازن العمري عن استعداده وجاهزيته للعمل الذي لا يحتاج أكثر من الحصول على التدريب اللازم، مضيفا أنهُ التحق بدورات تدريبية لثلاثة أشهر، مشيراً إلى مناسبة الراتب الشهري والحوافز مع عدد ساعات العمل، مؤكداً على تغير فكرة العمل في القطاع الخاص عن السابق لدى الأكثرية من الشباب السعودي بعد أن أصبحت الفرص متاحة للجميع بفضل جهود وزارة العمل. ورغم أن كثيراً من الشباب اتخذوا من قطاع التجزئة جسر عبور مؤقت لحين الحصول على وظيفة حكومية أو عسكرية، إلا أن الشاب بدر البلوي "موظف بمحل عطور" يفكر أن ينتقل بعد تلك الخبرة من وظيفة بائع إلى تاجر، مشيراً إلى أن مسألة الدوام لفترتين مرهقة جداً وتكاد تكون هي أكثر العقبات التي تعيق استمرارية الشباب في هذه الوظائف كما أن هناك بالفعل عدم جدية من الشباب فالبعض منهم يغادر الوظيفة بعد شهر أو شهرين. ويؤكد الشاب مفرح العبدلي بخبرته كبائع يعمل في هذا المجال منذ سبع سنوات على أن أكثر ما يُقلق العاملين في هذا القطاع هو قلة الراتب وعدد ساعات العمل المرهقة لكنه في الوقت ذاته يؤكد أنهُ على ثقة بأن تلك الأسباب التي تقف خلف عزوف الشباب أصبحت محل اهتمام المسؤولين الذين يعلمون بكل تفانٍ على تذليل كل المعوقات والتحديات لخلق بيئة عمل محفزة تدفع الشباب للعمل في هذا القطاع المهم. من جانبه أوضح رجل الأعمال والباحث الاقتصادي د. عبدالعزيز الرحيلي أن وزارة العمل ظلت ولسنوات طويلة تفرض القوانين الملزمة للقطاع الخاص كي يمتثل لحصص التوطين المفروضة وحققت تلك البرامج نجاحات مختلطة وغير حاسمة، وأزعم أن العائق الأكبر يكمن في وجود قناعات سلبية لدى طرفي عملية التوظيف وأقصد بهما صاحب العمل وطالب العمل، مما أدى لعدم جدية النيات والجهود تجاه التوطين، ولضمان تجاوب كلا الطرفين وتحقيق توطين مستدام نحتاج لإصلاح القناعات ونشوء علاقة تفاوض إيجابي يحظى بموجبها كلا الطرفين بعقدٍ مرضٍ من وجهة نظره. وبين الرحيلي أن الإشكالية الحالية أن القناعات السلبية لا زالت سائدة ولكن عملية تغيير القناعات قد تكون مضنية وتحتاج مدًى زمنياً قد يمتد لسنوات ولا نملك الوقت فالبطالة مؤلمة، ولعل ما ذكره ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بالأيام القليلة الماضية من أن الدولة أنتهجت أسلوب "الصدمة" لتسريع عمليات التكيف والتغيير في بعض مناحي الحياة بالبلاد ومنها سوق العمل السعودي يفسر الهدف من قرارات التوطين الأخيرة ومنها قصر العمل في 12 قطاعاً على السعوديين. وأشار إلى أن ممارسة العمل التجاري ليست بالعمل الهين كما يراها البعض، فهناك محاذير أساسية يجب التنبه لها، على المستثمر أن يثقف نفسه بشؤون عمله ويكون ممسكاً بمفاصل العمل حتى لا يكون يربط مصير عمله بوجود عامل معين، كذلك يجب لكل مشروع أن يكون هنالك احتياطياً نقدياً (رأسمال عامل حر) يكفي لتغطية المصاريف التشغيلية لفترة ستة أشهر عالأقل بغض النظر عن الإيرادات المتوقعة، أيضاً لا نهمل دور متابعة العمل والمرونة والسرعة في الاستجابة لمتطلبات السوق، إن مبادري الأعمال وكذلك الموظفين السعوديين بحاجة إلى الروح المكافحة والعملية لتحقيق النمو في مدخولاتهم، مضيفاً "العالم من حولنا ينمو ويزدهر بفضل الإصرار والمتابعة والحرص على النجاح وإن زمن التواكل على الأجنبي وجني الأرباح السهلة دون خطة عمل جدية قد ولى وللأبد". وقال "على الموظف السعودي بالقطاع الخاص الذي يريد أن يثبت قدمه بعمله وينمو في مساره الوظيفي عليه أن يبذل جهداً مميزاً يتجاوز به إنتاجية غيره من الموظفين وهنا يكمن الأمان الوظيفي الحقيقي حيث يفرض الموظف نفسه على الجهة الموظفة له بحيث ترجوه البقاء وعدم التخلي عنها. يجب إن يتخلى طالب العمل السعودي عن الارتكان للرعاية الحكومية الأبوية عند تعامله مع جهة عمله، الخلافات وسوء الفهم قد يحدث والدولة تسعى جاهدةً لفرض القوانين المنظمة للعلاقات العمالية ولكن الاحتكام لمكاتب العمل يجب أن يكون هو الاستثناء وليس القاعدة. مازن العمري عبدالكريم السهلي راكان العمري مفرح العبدلي Your browser does not support the video tag.