ساعات عمل طويلة ومتواصلة، يقضيها شبان يخرجون من مقرات أعمالهم الرئيسية إلى مكان عمل آخر في ثنايا كل نهار، سعياً لتحسين ظروفهم المعيشية والحياتية، وتعزيز مداخيلهم الشهرية لمواجهة متطلبات الحياة، فقد تنامى وجود العمل الثاني في حياة السعوديين خلال السنوات الأخيرة بشكل لافت، وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي يعانيها جامعو العملين من إرهاق جسدي، وغياب طويل عن أسرهم ومحيطهم الاجتماعي، إلا أن العائد المادي فيما يبدو يمثل حافزاً قوياً لتحمل تبعات الارتباط بعملين، مما يدفع بعضهم إلى العمل 18 ساعة متواصلة. وفيما يمثل جلد الذات إلى هذا الحد مؤشراً على جدية الشباب السعودي، وقدرتهم على الإنتاجية وتحمل ضغوط العمل، يرى مراقبون أن في ذلك مؤشراً على عدم قدرة أغلب الوظائف الوفاء باحتياجات أولئك الموظفين، مما يدفعهم للبحث عن عمل آخر، محذرين من تداعيات العمل لساعات طويلة على قدرة الشبان على العطاء في وظائفهم الأساسية. الغياب عن الأسرة وساعات العمل الطويلة أبرز التحديات المواجهة للجامعين بين عملين إيجابية د. سعود الضحيان -أستاذ الخدمة الاجتماعية بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود- أكد أن الدافع الأساسي للشباب للبحث عن عمل إضافي هو عدم كفاية الدخل لذلك الشاب، وعدم توافق احتياجاته مع دخله الأساسي، وقال: يؤدي عدم كفاية الدخل إلى الدفع بالبعض إلى البحث عن عمل إضافي لسد العجز في احتياجاته المادية، وفي مثل هذه التجارب، فإن هناك جوانب إيجابية، وأخرى سلبية، ومن الجوانب الإيجابية النظر إلى الشاب الذي يبحث عن عمل إضافي على أنه رجل مستقيم، جاد، يريد أن يعوض العجز في دخله بدخل آخر وبشكل مشروع، وهو أفضل من أشخاص آخرين قد يلجأون إلى طرق أخرى للتكسب من خلال أعمال أقل جهداً، ولكنها مثلاً غير مشروعة. وأضاف: لكن العمل في أكثر من مكان، قد يعرض الموظف إلى إرهاق جسدي كبير، مما يفقده القدرة على القيام بعمله الأساسي بشكل جيد، الأمر الذي يؤثر على إنتاجيته وعطائه، وقد يفقده ذلك ثقة إدارة عمله الأساسي، مما يجعل فرصة فقده لعمله الأساسي وارداً أحياناً. وقال: إنه ليس من السهل على أحد أن يؤدي عمله بعطاء كامل في عملين متواصلين لساحات طويلة، إلا أن الحاجة فيما يبدو تدفع مثل هؤلاء الشبان إلى بذل كل هذا الجهد المتواصل، وهو أمر مرهق بلا شك، وله تبعاته السلبية على عطائهم وأدائهم، كما أن العمل الإضافي يكون في أعمال بسيطة، لا تكسبه الخبرة الكافية من الناحية المهنية، وإن كان سيكتسب ربما خبرات تعامل، لذلك فإن الفائدة التي يمكن يحصل عليها الشاب من العمل الإضافي تتمثل في العائد المادي أكثر شيء. وقال: إن الوضع المثالي أن يكون لدى الإنسان وظيفة واحدة، يستطيع من خلال دخل تلك الوظيفة أن يتدبر أمور حياته ومتطلباته، لكن نجد أن هناك من لا يحقق له دخله من الوظيفة إشباع رغباته واحتياجاته، مما يضطره إلى البحث عن عمل آخر، وهؤلاء الذين يبحثون عن عمل واضح هم أفضل بكثير من الذين يلجأون إلى أعمال غير مشروعة حينما يشعرون أن دخلهم غير كافٍ لمتطلباتهم. جدية أكد عبدالعزيز كركدان -مهتم بالتوطين- أن توجه بعض الشباب للعمل في عملين يعطي صورة حقيقية عن جدية الشاب السعودي، ورغبته في تحقيق النجاحات في حياته العملية، وقال: إن في ذلك رد على المشككين في جدية الشاب السعودي، وحبه للعمل، ورغبته في النجاح، وأنا اطلعت على تجارب شباب يعملون في وظائف دخلها جيد، ومع ذلك يعملون في أوقات خارج الدوام بأعمال أخرى تدر عليهم دخلاً إضافياً، مما يعني رغبتهم في تحسين أوضاعهم المادية، واستغلال الوقت بشكل جيد. وأضاف: لدي قناعة تامة بإمكانات الشاب السعودي، وأنه فقط لا يحتاج سوى فرصة، ومتى ما سنحت له الفرصة، فإنه قادر على الإبداع والعطاء وتحقيق النجاحات، وهو صبور إذا ما وجد عائداً مادياً جيداً، وكذلك تقديراً معنوياً واحتراماً، وأنا لا أستغرب أبداً أن هناك شبانا عصاميين يعملون لساعات طويلة ومتتابعة في أكثر من عمل، وهذا بلا شك يمثل توجهاً يوحي بشجاعة الشباب وحيويتهم وطموحهم لتحقيق مستقبل يحلمون به، وعلى الرغم من أن صعوبة الجمع بين عملين، إلا أن الإرادة التي يتمتع بها الشباب السعودي جعلت بعضهم يستطيع أن يفعل ذلك، وقد مثلت مشاريع قطاع التجزئة التي تم حصر البيع فيها على السعوديين مجالاً جيداً لعمل الشباب بعد خروجهم من وظائفهم الأساسية، كقطاع الاتصالات مثلا. وقال: إن أبرز تحدٍ يواجه السعوديون الذين يعملون لساعات هو عدم القدرة على الوفاء الالتزامات الأسرية، خاصة المتزوجين، نظراً لما للمسؤوليات الأسرية من أهمية بالغة في أي مجتمع، وكذلك الإرهاق الجسدي جراء طول ساعات العمل المتواصلة، لكن ذلك سيقابله زيادة في الدخل، مما يساعد في الوفاء بالالتزامات المختلفة للشخص، وكذلك اكتساب بعض الخبرات والمهارات التي تتوفر في المجال الذي يعمل به الشخص في عمله الثاني. شجاعة أحمد القحطاني -المهتم بالموارد البشرية- أكد أن العمل الثاني في حياة الشاب له تأثير كبير في حياته، وأهم ذلك الزيادة في الدخل، وكذلك الشعور بالأمان، مشيراً إلى أن ذلك هو ما يدفع الشباب إلى العمل الثاني في أحيان كثيرة، وقال: إن العمل الثاني بالنسبة للشباب يمثل رافداً معنوياً كبيراً بالنسبة لهم، ويشعرهم بأنهم قادرون على تحسين حياتهم المعيشية، وكذلك تسجيل نجاحات في حياتهم العملية ربما لم تتح لهم الفرصة لتحقيقها في وظيفتهم الأساسية، كما أن العمل الثاني يعد مصدر للأمان بالنسبة لهم، فلو فشلت تجربة العمل الثاني، فالعمل الأساسي موجود، وإذا فقد عمله الأساسي، فالعمل الثاني يوفر له مصدر دخل في مرحلة فقدان العمل الأول. وأضاف: تجربة العمل الثاني هي إيجابية في مجملها في حياة السعوديين، ولكن لها تبعاتها السلبية كطول ساعات الدوام المتلاحقة، والغياب الطويل عن الأسرة، وكذلك الإرهاق الجسدي الذي قد ينتاب الشاب جراء العمل المتواصل لساعات طويلة، فبعض الأعمال في قطاع التجزئة يستمر عمل الشاب بها 7 أيام في الأسبوع، وما يدفع الشاب إلى العمل في قطاع التجزئة لا يخرج عن أمرين، إما احتياجه المادي الذي لا تغطيه وظيفته في عمله الرئيس، وإما عدم شعوره بالرضا والتقدير في عمله الأساسي، لذلك الذين يتمتعون بالرضا عن وظائفهم غالباً لا يبحثون عن عمل إضافي. وتابع يقول: متى ما توفرت في الشاب مهارة تنظيم الوقت، فإنه سيصبح قادراً على التوفيق بين العملين، وكذلك متطلبات الأسرة قدر المستطاع، ولكن في حالة عدم قدرته على ذلك، فإنه قد يتأثر أداؤه في أحد العملين أو كليهما، فحوالي 18 ساعة عمل يومياً موزعة بين العملين ليست سهلة، والغالبية العظمى من الشباب قادرين على الموازنة في ذلك، فو نظرنا إلى العاملين في سوق الجوالات مثلاً، سنجد أن الغالبية العظمى منهم موظفون وخاصة في القطاع الخاص، يخرجون من أعمالهم الأساسية إلى أعمال أخرى كل يوم. الشباب يؤكدون جديتهم ويفصحون عن الدافع الرئيسي للجمع بين عملين قال شباب سعوديون يعملون في أكثر من عمل في آن واحد، أن الحاجة المادية هي الدافع الأساسي الذي جعلهم يلجؤون إلى هذا الخيار، وأكدوا أن العوائد المادية المغرية جراء الجمع بين عملين تدفعهم للمضي قدماً على الرغم مما أسموه ضغوطاً أسرية واجتماعية يعانون منها جراء انفصالهم لساعات طوال عن أسرهم ومحيطهم الاجتماعي، ناصر العطوي – شاب نشر إعلاناً في مواقع التواصل عن حاجته إلى عمل مسائي، وأكد في اتصال مع "الرياض" أن الدافع الأساسي وراء البحث عن عمل إضافي هو رغبته في تحسين وضعه المادي، مؤكداً أن الأقساط ومتطلبات الحياة تلتهم الدخل الأساسي الذي يحصل عليه من الوظيفة الأساسية، وقال: لقد جربت العمل الإضافي من قبل، وهي تجربة بالنسبة جيدة بالنسبة لي، حيث تحسن دخلي، بما يجعلني قادرا على مواجهة تبعات الحياة، والالتزامات المادية الكثيرة التي أتحملها، مع العلم أن العمل الإضافي يقضي على وقت الموظف، مما يجعله لا يفي بالتزاماته الأسرية بشكل جيد، كذلك له مردود سلبي من حيث الإرهاق الشديد الذي قد ينتاب الشاب الذي يعمل في أكثر من عمل، لكنه سيتحسن وضعه المادي، وستقل عليه الضغوط المالية، مما يجعله في وضع نفسي أفضل بحيث أنه ربما ينسى ذلك التعب والارهاق الذي يمر به. من جانبه قال عمر القحطاني إن الشباب الذين يتوفر لديهم وقت ولو بسيط للراحة بين نهاية العمل الأساسي وبداية العمل الثان، فإنهم يشعرون بالقدرة على السيطرة على الوقت، ويستطيعون التوفيق بين العملين بشكل جيد، وقال: في حالة أن العمل الثاني عمل خاص للشاب كمحل اتصالات أو خلافه، فإن الشاب غالباً يستمتع بالوقت الذي يقضيه في هذا العمل لشعوره بالنجاح وتحقيق دخل جيد، وأن العمل خاص به وأنه لا يعمل عند أحد، مما يجعله يتحمل الساعات الطويلة دون شعور بتعب أو ملل. وأضاف: إن العائد المادي والمعنوي يخففان الضغوط على الشاب، وكذلك استطاعة الشاب وأسرته على تفهم طبيعة الضغوط التي يواجهها الشاب، كل ذلك يمنح الشاب مزيداً من القوة والقدرة على الاستمرارية والنجاح. وقال عماد محمد إنه يعمل في شركة من الساعة 7 صباحاً إلى الساعة 3 عصراً، وأشار إلى أنه يتمكن من تحقيق وقت راحة بعد نهاية عمله بالشركة حتى يتهيأ إلى عمله الثاني بعد العصر، وقال: بعد فترة الاستراحة القصيرة في المنزل، أذهب إلى عملي الثاني الساعة الخامسة، أستمر إلى الساعة الثانية عشرة ليلاً، وهو برنامج طويل، ومرهق ربما، لكن طبيعة الحياة تفرض علينا كشباب مثل هذا التحدي، ومواجهة المتطلبات المتزايدة بغية الوصول إلى حياة كريمة. صالح القحطاني أشار إلى الحاجة إلى تحسين الوضع المادي كانت الدافع الرئيس وراء انخراطه في عمل ثان، مؤكداً على أن العمل الإضافي يمثل رافداً مهماً في تحسين الظروف المعيشية، وقال: أبرز الضغوط التي يواجهها الشباب الذين يعملون في عملين تراجع علاقاتهم الاجتماعية، وانحسار تواصلهم في محيطهم العائلي، والأسرة هي أكثر المتضررين في هذه الحالة، لكن يجب أن تتفهم طبيعة الحياة، وأن الخلاص من الضغوط المالية، هو الحصول على دخل إضافي والذي بدوره لا يمكن الحصول عليه إلا بعمل ثاني. وأضاف: لقد حسنت دخلي من خلال العمل الثاني، واكتسبت خبرات ومهارات لم أكن اتمتع بها من قبل، لذلك أنصح الشباب أن يستغلوا طاقاتهم ما داموا شباناً، وأن يحسنوا من مداخيلهم ليحققوا بعض أحلامهم في الحياة، والفرص كثيرة ومتاحة لهم خاصة في ظل توجه الدولة لتوطين أنشطة تجارية، العمل بها مربح. يتركز العمل الثاني للمواطنين في الاتصالات د. سعود الضحيان عبدالعزيز كركدان أحمد القحطاني صالح القحطاني عمر القحطاني عماد محمد ناصر العطوي