تخيل أن شخصاً ما يحاول أن يثبت حقيقة وجود الرجل الوطواط بظهوره في سلسلة أفلام الرجل الوطواط! بالتأكيد لن تتقبل هذه الحجة الواهية لأنها مغالطة منطقية, غير أن المثير في الأمر أننا كثيراً ما نتقبل حججاً مشابهة رغم أنها لا تخرج عن كونها صورة من صور مغالطة الاستدلال الدائري. يقوم البعض بمحاولة إثبات فكرة ما عن طريق الاستدلال ببرهان لها ضمن الفكرة الأساسية, أي استخدام ادعاء موجود في الأطروحة لإثبات الأطروحة نفسها! مثل القول: إن القرآن الكريم نزل من عندالله –سبحانه وتعالى- لأنه توجد فيه آية أو آيات تقول: إنه نزل من عندالله, فصار إثبات الادعاء مبنياً على استدلال دائري متواصل! بينما يفترض أن يكون الاستدلال على أن القرآن نزل من عندالله مبيناً على شواهد وأدلة أخرى كالإعجاز وغيره. هذه المغالطة التي يطلق عليها أيضاً «المنطق الدائري» يبدأ المفكر فيها بما يحاول الوصول إليه, حيث يأخذ الاستدلال الدائري شكل: «ادعاء «أ» صحيح لأن ادعاء «ب»؛ وادعاء «ب» صحيح لأن ادعاء «أ» صحيح, وهكذا تتكون لدينا دائرة مغلقة من الاستدلال الخاطئ, لأنه لا يقدم دليلاً مستقلاً متفقاً عليه من الأطراف على صحة الادعاء, وتزداد هذه الحركة الدائرية من المغالطات تعقداً إذا كانت تضم سلسلة أطول من الافتراضات المتتالية كما يحدث كثيراً في استدلالات نظريات المؤامرة التي يزعم البعض صحتها باعتمادها على ادعاء يعتمد في صحته على ادعاء آخر، وهكذا دواليك حتى تعود إلى الادعاء الأول لتأكيد صحة الادعاء الأخير أو غيره. ولعل أشهر مثال لحجة دائرية تتسم بالمغالطة ما يورده الأكاديمي الكندي «دوجلاس والتون», في قوله: «تقع ويلينغتون في نيوزيلاندا؛ إذاً ويلينغتون تقع في نيوزيلاندا», حيث لاحظ زميل «مركز بحوث التفكير والاستنتاج والبلاغة» أنه على الرغم من أن الحجة صالحة استنتاجياً, إلا أنها لا تثبت أن المدينة تقع في الدولة, لأنها لا تحتوي على دليل يختلف عن الاستنتاج, أي أن سياق المجادلة يعني أن الافتراض لا يفي بشرط إثبات العبارة, وبالتالي يعتبر مغالطة منطقية. وحتى لا نقسو على أنفسنا نجد أن الكثير من الاستدلال العلمي يقع في فخ مغالطة الاستدلال الدائري, مثل تفسير الحقائق العلمية, كالقول: إن «كل ما هو أقل كثافة من الماء سوف يطفو, وذلك لأن كل ما هو أقل كثافة من الماء سوف يطفو»! وهو ما يتكرر دوماً في الاستدلالات السطحية للعلوم. من المخجل أن تكون حجتنا في الإثبات مجرد استدلال دائري يمكن نقضه بسهولة, بينما يفترض أن تفسّر منطقياً، أو تثبت ما ترى اعتماداً على دليلٍ مستقل ومتفق عليه من أطراف النزاع. Your browser does not support the video tag.