حافظ المغرب طيلة 12 قرنا من الزمان على استقلاليته السياسية ووحدة مذهبه الديني، مع بعض الاستثناءات التي لم تمس، بالأساس، التواجد القانوني للدولة، كما استطاع الوقوف في وجه القوى الاستعمارية والحركات التنصيرية وحقق الاستثناء باستقلاليته المطلقة عن دولة الخلافة العثمانية. وإذا كان الخوارج والعلويون قد اتجهوا إلى بلاد المغرب الأقصى لتحقيق طموحاتهم السياسية بعد المحن والمصاعب التي لاقوها في المشرق، ليتمكنوا فعلا من تحقيق بعض الإنجازات على الأرض مجسدة في دويلات الخوارج (بنو رستم الأباضية في تاهرت وبنو مدرار الصفرية في سجلماسة)، وكذا دولة الأدارسة العلويين في فاس، فإن الشيعة "الإمامية" ما لبثوا أن ساروا على نفس المنوال لتحقيق طموحاتهم السياسية بخلق دولة شيعية تابعة عقديا للمذهب الإمامي الاثني عشري وسياسيا لمنظومة "الولي الفقيه" بإيران. المناخ الديموقراطي المغربي ظل عاملاً مساعداً على الانتشار الأفقي للفكر الجعفري وقد يبدو من الترف الفكري والمتاع العقلي إعادة طرح إستراتيجية "حكماء إيران" بالمنطقة العربية بشكل عام، والمملكة المغربية، بشكل خاص، أو ما اصطلح عليه إعلاميا ب"الخطة الخمسينية لآيات الشيعة في إيران". هذه الإستراتيجية الخمسينية، والتي حاول البعض التقليل من قيمتها إلى حد التشكيك في تواجدها أصلا، يبدو أننا نعيش أهم فصول تطبيقاتها في ظرف زمني قياسي ربما فاجأ القيادة السياسية في إيران نفسها. على هذا المستوى من التحليل، يمكن القول إن المملكة المغربية ظلت، لسنوات طويلة، مركز جذب ورهان إستراتيجي لإيران لاعتبارات مذهبية وسياسية وأخرى مرتبطة بمحددات البيئة الإستراتيجية الجديدة للمملكة. ولفهم تكتيكات الاختراق والعوامل المساعدة على التغلغل الشيعي في المملكة يمكن بسط مجموعة من عوامل الاجتذاب، والتي نرى في اجتماعها واستغلالها وسائل وبيئات ساهمت في طرح إرهاصات هذا الاختراق الإيراني للمملكة المغربية. السلطات رفضت التصريح ل مؤسسة (الخط الرسالي) في طنجة لمعرفتها أهدافها 1- النسب الشريف للأسرة الحاكمة بالمغرب: يُعتبر انتهاء شجرة الأسرة الحاكمة في المغرب إلى الخليفة الراشد الرابع عليّ بن أبي طالب، والذي يرى فيه الشيعة أول الأئمة المعصومين ووريث الرسالة النبوية، معطى يحمل رمزية قوية لإيران ولأتباع المذهب الشيعي الاثني عشري، دفع إيران إلى اعتبار النظام السياسي المغربي يتلاقى مذهبيا مع الأطروحة الجعفرية في روافد الانتماء الأسري (العلويين)، والمذهبي الإمامي الاثني عشري عقديّاً. استغلال منصات التواصل الاجتماعي من أجل عملية الاستقطاب والتأطير والتجنيد ولعل ما يؤكد هذا الطرح ما ذكره "الداعية" الشيعي المثير للجدل ياسر الحبيب والذي يرى في المغرب بلدا شيعيا بامتياز وأُخضع، قسرا، للمذهب السني إبان ما عرف بالفتوحات الإسلامية؛ حيث يقول في إحدى دروسه المُتلفزة، بمناسبة تعليقه على ما وُصف ب "حراك الريف"، ما نصه "لعل هذا الحراك الذي تشهده الساحة المغربية والساحة الريفية يُفضي إلى خير... لذلك إن افترضنا سقوط النظام الحاكم في المغرب وما يستدعيه ذلك من مخاض وبعض السلبيات التي لا بد منها في كل عملية لتغيير النظام وما شاكله... فإذا نجح المغاربة في إسقاط هذا النظام الفاسد، فإنهم يعودون، في الحقيقة، إلى أصلهم الشيعي".(!) الحسن الثاني وصف الخميني ب «المارق المنحرف».. والرباط قطعت علاقتها بطهران ست سنوات شهادة أخرى نرتكن إليها لوزن صاحبها ومكانته في النظام السياسي المغربي، وهي شهادة المستشار الراحل عبدالهادي بوطالب والتي دوّنها في كتابه "نصف قرن في أركان السياسة" (Un demi-siècle dans les arcanes de la politique، حين قال: إن النظام الإيران كان يلتمس من نظيره المغربي أن يرسلني دائما كمبعوث للمملكة المغربية لإيران على اعتبار أن اسمي (بوطالب) يشير إلى الانتماء إلى سلالة عليّ بن أبي طالب، وأشار عبدالهادي بوطالب إلى أن إيران كانت ترى في المغرب بلدا تتوفر فيه مقومات الارتباط الشيعي، أكثر من النفس السلفي الذي ظل يميز باقي الدول العربية. في نفس سياق الشهادات، يقول المؤرخ والدبلوماسي المغربي والسفير السابق لدى إيران عبدالهادي التازي "إن الإيرانيين كانوا يكنون حبا للحسن الثاني خاصا؛ لأنه من آل البيت، ويقول إنه لما زار إيران أيام حكم الإمبراطور الشاه كان يتجول بسيارة مكشوفة، وأخبره الإمبراطور أن الإيرانيين يحترمونه بسبب نسبه". هذه الشهادات، تشير إلى الأهمية التي يحتلها المغرب عند قادة النظام الإيراني وإلى أي حد يُمنون النفس بوضع اليد على هذا البلد الذي يعتبرونه امتدادا طبيعيا للدولة العالمية التي سيحكمها "صاحب الزمان" ونائبه "بالحق" "الولي الفقيه"، حسب بناءاتهم الفقهية وأطروحاتهم العقدية. 2- غياب حضور الخطاب السني القوي في مواجهة الأطروحة الشيعية: على خلاف المنطقة العربية والخليجية، حيث قوة الخطاب السني والحرب الفكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية وبدرجة أقل مصر، لمواجهة الأطروحة المذهبية الإيرانية، فإن الخطاب الديني في المغرب يبدو ضعيفا أو لنقل معدوما في مواجهة الطرح العقدي والسياسي لإيراني. وباستثناء بعض المحاولات المحتشمة والمحدودة التي حاولت التنبيه إلى خطورة "التشيع السياسي" بالمغرب، والتنبيه لضرورة استشعار التغلغل الشيعي "الموجّه" من طرف إيران، فإن الخطاب الرسمي والمنظومة الإعلامية تكاد تكون غائبة على هذا المستوى من النقاش. في هذا السياق، يمكن القول إن هناك تقصيرا خطيرا، على المستويات الأمنية والإبستيمولوجية في مواجهة التغلغل الصفوي في المغرب، والذي كان، في وقت من الأوقات، على رأس الإكراهات الأمنية للمملكة، دفعت ملك المغرب الراحل الحسن الثاني إلى تخصيص إحدى خطبه الملكية لظاهرة التوغل الشيعي وضرورة مواجهته، بل ووصل الأمر إلى وصف الحسن الثاني للخميني ب"المارق المنحرف" في حوار صحافي مع جريدة فرنسية. ويبدو من خلال رصد المقاربة الأمنية للمملكة، أن هناك تركيزا على التهديدات الإرهابية التي تمثلها التنظيمات الإرهابية، مع مواصلة الحصار القانوني والحذر الاستخباراتي من انتشار بعض التنظيمات "الشيعية"، الموالية لإيران، والتي أصبحت تعبر عن مواقفها علانية، رغم التقية السياسية التي تُعبر عنها من خلال نفي أي انتماء عقدي لمشروع ولاية الفقيه والذي تبقى إيران حاضنته الروحية وعاصمته السياسية. هذه المعطيات لا تنفي التوجس الأمني لصانع القرار السياسي المغربي من تزايد حدة التغلغل الإيراني بالمغرب، خصوصا بمنطقة الشمال، وصلت إلى حد قطع المملكة لعلاقاتها مع إيران، منذ 2009 إلى 2015، على خلفية اتهام الرباطلطهران "بتقويض المذهب المالكي ونشر التشيع في البلاد". 3- الانفتاح الديموقراطي للمملكة المغربية: لا يختلف المحللون السياسيون والمتابعون لظاهرة التشيع "السياسي" بالمغرب، على كون المناخ الديموقراطي الذي يميز المغرب، ظل عاملا مساعدا على الانتشار الأفقي للفكر الجعفري بين أوساط الشعب المغربي وخاصة في المناطق الشمالية المتاخمة للدول الأوربية؛ حيث مركز نشاط جالية مهمة من المغاربة، خصوصا في بلجيكا، تأثرت واعتنقت المذهب الشيعي الاثني عشري، في نسخته الإيرانية، بعدما احتكت ببعض رجال الدين الشيعة الذين ينشطون بقوة ودون كلل في جميع دول العالم، مدعومين في ذلك بشتى أنواع التمويل والتأطير والتوجيه من بعض المراجع الشيعية في إيران والعراق والذين يعتنقون المذهب السياسي لمشروع ولاية الفقيه. هذا الانفتاح السياسي مكّن المكون الشيعي من التحرك بنوع من الحرية تحت مجموعة من القبعات السياسية أو الجمعوية أو المؤسسات الاقتصادية؛ حيث تمكن من يطلق على نفسه "الخط الرسالي"، الذي يدّعي أنه يمثل الشيعة المغاربة "المعتدلين"، على ترخيص، من المحكمة التجارية، من أجل العمل بطريقة قانونية من خلال مؤسسة تجارية أُطلق عليها "مؤسسة الخط الرسالي للدراسات والنشر" اتخذت من مدينة طنجة مقرا لها، بعدما رفضت وزارة الداخلية الترخيص لهذا التنظيم الذي يحاول تقديم نفسه على أنه مكون وطني بحت، ويعلن ولاءه للثوابت الوطنية من خلال إعلانه للمبادئ الثلاثة التي تُحركه والتي تبدو ظاهريا تتلاقى مع الطرح الرسمي للمملكة المغربية وهي: * التنوير: من خلال معركة مواجهة التخلف والتطرف. o التغيير: من خلال معركة مواجهة الفساد والاستبداد. o التحرير: من خلال معركة استكمال وحدتنا الترابية واستقلالية قرارنا الوطني. لقد حاول التنظيم الشيعي، الموالي لإيران، تبني نفس الأطروحات التكتيكية التي اعتمدها الإخوان المسلمون في المغرب لانتشارهم، من خلال تقديم أنفسهم على أساس أنهم متحالفون مع ولاة الأمور وبأنهم يتبنون نفس القناعات ويدافعون عن نفس الثوابت التي تميز البيئة الإستراتيجية الوطنية وعلى رأسها النظام الملكي والدين الإسلامي والوحدة الترابية. ولم يقف "الخط الرسالي" عند هذا الحد بل تعداه إلى ادعاء دفاعه عن "استقلالية القرار الوطني" في "تقية" سياسية وعقدية لا يمكن أن يصدقها من خَبِر أبجديات تكتيكات التحرك عند التنظيمات الشيعية الموالية لإيران والتي، في الأصل، تتحرك بتعليمات وتوجيهات وتمويل من طهران. 4- استغلال منصات التواصل الاجتماعي: أدت عولمة الإعلام والمعلومة إلى هجرة غير مسبوقة للأفراد من الواقع الحركي الملموس إلى فضاءات العوالم الافتراضية، لتنتقل معها الشركات والحكومات والتنظيمات والتشكيلات السياسية والاقتصادية لتلتحق بالحسابات والمواقع بعدما كان ارتباطها بالأشخاص والهياكل. وكان من إفرازات هذه الظاهرة محاولة مجموعة من التنظيمات السياسية والدينية استغلال منظومة مواقع الاتصال والتواصل من أجل عملية الاستقطاب والتأطير والتجنيد في أفق التجييش العضوي بعد استكمال مخطط الاستيلاب الإلكتروني. على هذا المستوى، شكلت مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى أداة فعالة استغلتها التنظيمات الدينية إلى أبعد الحدود، ونجحت من خلالها في استقطاب الآلاف من الأفراد الذين يسهل توجيههم وتأطيرهم بالبناءات الفقهية والسياسية لهذه التنظيمات. في هذا السياق، لم يكن ليغيب عن أصحاب أطروحة "الولي الفقيه"، في شقها السياسي التوسعي، اللجوء والتركيز على مواقع التواصل الاجتماعي قصد رصد بعض "المرشحين" لاعتناق المذهب الإمامي الاثني عشري والعمل على حقنهم بالعقيدة الجعفرية باتباع منظومة من التكتيكات المدروسة سلفاً والتي يتم التدرّب عليها من طرف خبراء في مجال التواصل الاجتماعي وتعتمد، في الغالب، على آليات "التشكيك -الهدم- التلقين ثم التجنيد"، وهي آليات الاستقطاب الكلاسيكية والتي تلجأ إليها التنظيمات الإسلاموية بشقيها السياسي والجهادي، لكسب ولاءات جديدة واستقطاب المرشحين للالتحاق بهذه التنظيمات. وتعتمد الخلايا الشيعية الموالية لإيران على إبراز بعض عيوب وسقطات الخطاب السني التي تم توثيقها في بعض المؤلفات التي تعتمد عليها التنظيمات التكفيرية في بناءاتها الفقهية والعقدية (مؤلفات سيد إمام الشريف، أبو عبدالله المهاجر، أبو بكر ناجي، سيد قطب)، والتي نعتقد، نحن أيضا، بأنها المفرخة التي أنتجت لنا بيئة قابلة لاحتضان وتصدير الفكر والفرد الإرهابيين، ثم يتم الانتقال إلى مرحلة البناء، وذلك بالمرور إلى تقديم المذهب الشيعي على أنه تمظهُر للإسلام المعتدل، ويتم، في الغالب طرح السؤال: هل رأيت شيعيا يفجر نفسه؟ وهنا تبدأ منظومة الاستقطاب والتوجيه وفق تكتيكات مدروسة تجيب عن جميع الأسئلة التي تُقرب الفرد المسلم السني من العقيدة الجعفرية. من جهة أخرى، يقوم أتباع المذهب الشيعي، دائما في شقه السياسي، باستهداف أتباع الطرق الصوفية بالنظر إلى مجموعة من التقاطعات الإيديولوجية والطقوس العملية بين الاتجاهين، الشيء الذي يسهل عملية الإقناع والاستقطاب للطرح الاثني عشري. ويمكن القول، في المجمل، إن احتكاك المغاربة الكبير بمواقع التواصل الاجتماعي يجعل إمكانية التأطير والتوجيه حاضرة بقوة ضمن تكتيكات الاختراق والانتشار الشيعي بالمغرب. 5- الجالية المغربية في أوروبا: لم تعد تقتصر عودة المغاربة المقيمين بالخارج إلى أرض الوطن على إدخال العملة والهداية ونمط العيش الأوروبي، بل تعدى ذلك لإدخال منظومة من الأفكار التي لم يعهدها المواطن المغربي، ومنها العقيدة الشيعية، خاصة الإمامية منها. حيث استطاع أتباع النظام الإيراني في أوروبا تشييع عدد مهم من أفراد الجالية المغربية وخاصة في المثلث الكلاسيكي لتواجد مغاربة الشمال (هولندا، بلجيكا وألمانيا)، مستغلين في ذلك هشاشة البناءات العقدية عند هؤلاء الأفراد وضعف الخطاب السني المهيكل في الخارج، رغم التحركات السعودية في هذا الاتجاه. على إثر ذلك، سيعمل هؤلاء "المريدون الجدد" على نقل هذه الأفكار إلى المغرب وخصوصا الشمال المغربي، ونشرها بين صفوف الأقارب والأصدقاء، ليتطور الوضع إلى إحداث وحدات اقتصادية وتجارية تضم بالأساس الأفراد الذين خضعوا لحُقن العقيدة الإمامية. هذا وقد أصبح التحرك الشيعي بالشمال يثير عدة مخاوف لدى صانع القرار السياسي، خصوصا بعد المطالبات المتكررة لأتباع المذهب الشيعي بإطار قانوني يجمعهم وينظمهم بالمغرب، مستغلين في ذلك الانشغالات الأمنية للأجهزة المغربية بنشاطات التيارات الجهادية التي تحسب كلاسيكية على التيار السني الجهادي. انتشار التنظيمات «الشيعية» الموالية لإيران في المغرب مستخدمة«التقية» السياسية الحسن الثاني رفض التغلغل الشيعي في المغرب التشيع في المغرب اتجه نحو الشمال لعدة أسباب Your browser does not support the video tag.