وكأن قدره الترحال , انتقلت عائلته من حايل إلى الرياض , ولم يكمل سنوات تعليمه الأولى حتى انتقلت العائلة مجدداً إلى دمشق , وبعد ذلك إلى القاهرة , والعودة مجدداً إلى الرياض – وكأنها محطة لا وطن – التي غادرها بعد بضع سنوات لدراسة الهندسة الإليكترونية في المملكة المتحدة , في العام 1970 عاد بشهادة استثنائية في ذلك الزمن , أهلته لأن يعمل نائب رئيس مجلس إدارة لشركة كبرى0 , ولأن أحلام الفنان دائماً تتميز بالغرابة , فإن نائب رئيس مجلس الإدارة كان حلمه أن يقف على خشبة المسرح , يروي رفيق دربه الفنان الكبير الطويان بدايات الحكاية : "..هناك شاب يحضر البروفات دائماً , شاب تبدو على ملامحه الخجل , يجلس في آخر المسرح , مع الأيام بدأ يقترب كثيراً من المقاعد الأولى , لفت ذلك نظر الفنان الطويان الذي اقترب ودار بينها حديث قصير فهم منه أن ذلك الشاب يطمح أن يعتلي صهوة المسرح, نقل الطويان رغبة الشاب للمخرج, بعد أيام أتت الفرصة, المخرج بحاجة لشخص يقوم بدور لا يتجاوز الدقيقة, وصعد محمد العلي المسرح, المفاجأة أنه ارتجل حواراً مع الطويان على المسرح تجاوز الربع ساعة وسط ذهول الجميع..", ولم يكن ذلك أول دور يؤديه العلي , لكنها كانت أول موجة تصفيق يقابله الجمهور بها, التصفيق الذي لم ينتهي حتى بعد وفاته! كان الفن وحده هو ما كان يبحث عنه العلي, أقول وحده بكل ثقة ويقين, فإن كان الفن في الذاكرة الجمعية يأتي مقروناً بالشهرة والمال فإن العلي حققهما قبل الفن, فالشهرة, كان نجماً تلفزيونياً ومذيعاً باللغة الإنجليزية, كان ذلك في وقت من يصل للشاشة سيضمن بقاءه طويلاً في ذاكرة الناس, وأما المال , فهو الشاب الذي وصل لمنصب كبير جداً مقارنة بأقرانه في ذلك الوقت, لكن الفن كان هاجسه, ولأنه نجح طالباً ومن ثم إدارياً فقد نجح أيضاً كفنان أصبح أحد أهم مؤسسي المسرح السعودي, وواحد من أيقونات الدراما الخليجية, ولأنه كان الإنسان أحبه الجميع, بعد وفاة العلي عاش محبوه وأصدقاؤه فترة ذهول – وليس حزنا -طويلة , فصديقه الفنان الطويان مازال غير مصدق رحيله , يقول بصوت موجع : ( محمد العلي كسر يديّ ورحل), والفنان فايز المالكي لا يخجل أن ينصف إنسانية هذا الرجل إذ يقول : ( لم يكن العلي موجهاً لي فقط ..بل أنه كان يدفع تكاليف سيارة الأجرة , إذ إنني في البدايات لا أملك ما أعطيه سائق الأجرة الذي يوصلني لمكان البروفات).. العلي الفنان الذي لم نره يوماً وهو ( يمثّل) , فسواء على المسرح أو في التلفزيون كان يجالسنا, يمزح معنا, يقسو علينا أحياناً كمشاهدين, لكننا نُحبه, إنه يشبهنا – نحن الناس- في كل شيء! Your browser does not support the video tag.