عن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) ببيروت صدرت هذا العام رواية (أرواح مشوشة) للكاتبة العمانية الدكتورة زوينة الكلباني. والمتتبع لما قدمته الكاتبة من إنتاج روائي خلال تجربتها السردية الممتدة لسنوات طويلة يجد أن لها تقنياتها الخاصة في البناء السردي, ومحاولة تخطيه للحدود الفاصلة بين الواقع والخيال والمعقول والممكن, والعبور به من دائرة المعتاد والمتعارف عليه إلى حيث عوالم أخرى مشحونة بالتخييل والدهشة والإبهار عن طريق خلق شخصيات متناقضة الرؤى, ومتباينة في أشكالها وهيئاتها وتكوينها المادي والمعنوي. وهذا ما جعلها تتمتع بطاقات خارقة للعادة تتجاوز الظروف المكانية والزمانية والبيئية, والطبيعة البشرية, والتمرد على الواقع المحيط, ولذلك جاء اسم الرواية (أرواح مشوشة) تعبيراً عن الصفات المتناقضة لشخصياتها وأزمنتها وأماكنها, المتأرجحة بين الحقيقة والوهم والخيال. ومن أبرز ملامح البناء السردي في هذه الرواية وتقنياته, والتي أظهرت خلالها الكاتبة مقدرة فائقة, ومهارة عالية في التمكن من أدوات العمل القصصي وفنياتها, نذكر: (الميتاقص): وكان من الواضح هنا توالد الحكايات والقصص المختلفة المنبثقة - أساسا - عن القصة الرئيسة في العمل ككل, والتي لا بد أن يكون لها علاقة بالقصص الأخرى المتفرعة منها (وجود القصة داخل القصة). تحولات الراوي: والمقصود بها تغير الراوي وموقعه من الحدث السردي وعناصره, وما يطرأ على هذه العناصر نتيجة هذا التغير, فهناك مراوحة واضحة بين الرواة على امتداد صفحات الرواية, وتغير الراوي بين كل فصل وآخر من فصولها. وهذه التحولات لا شك أنها أثرت العمل بجوانب وأبعاد فنية كثيرة, أكسبتها شيئاً من جماليات السرد القصصي والحكائي, الناتج عن (تعدد شخصيات الرواة) وتنوعها, مما أسهم – بدوره – بتنوع مستويات السرد تبعا لتنوع خبرات هؤلاء الرواة, وتجاربهم الشخصية, واختلافها من راو الى آخر, وكسر الرتابة التي قد تحد من سعة الأفق السردي, فيما لو قامت الكاتبة باقتصاره على راوٍ واحد فقط! البعد التاريخي: والمقصود به المدى الزمني الذي تدور في فلكه جميع أحداث هذه الرواية, بين الماضي والحاضر والمستقبل, وعلاقة هذه الأزمنة المختلفة ببعضها, وأثرها في حياة المجتمع وبناء شخصياته, وتشكلها جيلاً بعد آخر, وما صاحب هذا التحول الاجتماعي والحضاري من تغير في مستويات حياة أفراده, وأساليب معيشتهم. وقد لعبت (الحكايات والأحاجي والخرافات) في هذا الجانب دورها في إثراء المشهد السردي بالموروث الشعبي للأماكن التي ذكرتها الكاتبة (ذاكرة المكان) وتوظيفه في السياق العام لهذا العمل, كما تمثل لنا – كمثال – في شخصية(العمة عميمة) وهي عمة (سما) الراوية, والشخصية الرئيسة في الرواية, والتي كانت الراوية نفسها مفتونة بها, وبما تسرده عليها هذه المرأة الكبيرة في السن من حكايات ماتعة, ومثيرة للاهتمام, أثرت في تكوينها الشخصي على مدى سنوات طوال. البعد الفلسفي: ويبدو لنا هذا الجانب أكثر بروزًا ووضوحًا في الفصول الأخيرة من الرواية, ويمثله التقاء الفنانة التشكيلية (سما) تلك الفتاة الجميلة, (المهووسة) بعنصر (الماء) كرمز للنقاء والطهر في هذه الحياة برجل الأعمال الناجح والشاعر المبدع (سعد) ذي المكانة المرموقة في مجتمعه, صاحب الشخصية المفتونة ب (النار) وحرارتها ولونها, كرمز للصفاء والتطهير أيضاً, وكعنصر فاعل لاختبار الأشياء واكتشاف جواهرها, كعاشقين أحبا بعضهما, على الرغم من اختلاف طبيعتهما الشخصية المتضادة, كما هو الحال بين (الماء والنار) كرمزين لكل منهما مدلوله, وكأن الكاتبة هنا تريد أن تقول لنا إن أصل الحياة كلها يتكون من هذين العنصرين! عرض وتحليل - حمد حميد الرشيدي Your browser does not support the video tag.