بقدر ماتجذب القصة انتباهنا وتشد عقولنا وهي مكتوبة على شكل رواية، أو معروضة في فيلم أو محكية ضمن حديثنا اليومي، فإنها تنطوي على سرّ له علاقة بالتجربة الإنسانية التي نعيشها أو نتخيلها. والقصة ضمن أشكال السرد التي حظيت بدراسة أقل مما حظيت به الرواية بسبب كثافتها في التركيز على الشخصية داخل مقطع مختار من الأحداث. ويأتي كتاب "الحكاية والخطاب: البنية السردية في القصة والفيلم" ضمن المؤلفات المهمة في حقل النظرية السردية والدراسات القصصية والسينمائية، حيث يقدم المؤلف سيمور شاتمان (سم؟ٍُِّء وفٍُّفَ) تحليلا للسرد عن طريق التمييز بين الحكاية (ما يقال) والخطاب (كيفية القول) من خلال رسم مجموعة من الأطر لتكوين روابط بين السرد وتأثيره على الجمهور، وذلك باستخدام أسلوب كسر وتحليل العناصر التي تؤلف الحكاية. ومن خلال ذلك يحاول وضع روابط بين السرد ذاته، وبين تأثيره على الجمهور من خلال تحليل العناصر المهمة داخل القصة، ويزوّد القراء بأمثلة من نصوص مختلفة من الروايات والحكايات والقصص والأفلام والمسرحيات وغيرها من الأمثلة السردية التي تساعد على إبراز عناصر محددة تدخل ضمن تكوين السرد. ويتفق مع الشكلانيين والبنيويين بتركيزه على دراسة النظرية السردية من خلال الخطاب وليس الأعمال الفردية بحد ذاتها. ولهذا فإن الوظيفة السردية ليست مجرد العرض أو الوصف ولكنها الكشف عن وظائف وعناصر وعلاقات من خلال الإجابة عن أسئلة مثل: ما الطرق التي نستطيع أن نتعرّف بها على وجود الراوي؟ وما الحبكة؟ وما وجهة النظر؟ كيف تظهر الشخصيات؟ يوضّح شاتمان بأن السرد القصصي بُنية تشمل أفكار بياجيه الثلاثة (عن سالكليّة، وعن التحوّل، وعن التحكّم بالذات). والسرد هو "كُلّ" متكامل لأن عناصره مترابطة بشكل منظّم حيث يشتمل على "التحولات" و"التحكم بالذات" لأن التحوّلات ووصف أحداث القصة يتبعان أحكامًا محدّدة لا تتعدى القصة ذاتها. كما يكشف بأن السرد - كما في اللغة - هو بناءات سينمائية لها معنى بنفسها ومعنى مُنبعث منها. ويوضح أن العناصر داخل القصة يُصبح لها معنى مزدوج ومتشابك كلما زادت العلاقات بين الشخصيات، فعلى سبيل المثال، يمكن للجماد أن يكون شخصيّة حيّة داخل قصة كرتونية لأنه يأخذ دور ممثل فيها، ويمكن أن تتعدد علاقات الشخصية بحسب الأثر الذي ينتج عنها. يقسم شاتمان الخطاب السردي إلى قسمين: شكل سردي (يتمثل في بنية الاتصال السردي) وتبعاته (الممثل في ظهور السرد في بيئة مادية محددة). وهذا فرق أساسي بين القصة والخطاب؛ فالقصة هي محتوى الوصف السردي بينما الخطاب هو شكل ذلك الوصف. ويشرح مظهرين للسردية هما: "الاختيار"، و"الترابط". و"الاختيار" يعني أنّ ثمة اختيارًا يحصل من ضمن كتلة التفاصيل في القصة لتحديد عنصر مركزي هو الذي يظهر في الخطاب. وبسبب خصائص الوسط المادي القائم على الاختيار فإن بعض تلك التفاصيل تُترك وتبقى غير معروفة. وأما "الترابط" فيعني أن الجمهور يجب أن يكون قادرًا على صنع افتراضات حول ما يُحكى أو ما يُروى بالانطلاق من الخبرات السابقة أو التصورات المتوقّعة. ويفرّق بين الراوي والمؤلف؛ فالراوي يمكن أن يكون موجودًا أو غير موجود في السرد، بينما يختفي أثر المؤلف تماماً. ولهذا فإن بُنية القصة القصيرة تُحلَّل باستخدام قائمة من العناصر هي: الركود، التطوّر، الأفعال، الأحداث، الشخصية، المحيط. وهي عناصر تميّز حركة القصة وخاصة تلك التي تتحوّل إلى فيلم. كما يوضّح كيف يمكن للقارئ أن يستعين بما يرى ويعلم لكي يصنع القصة، موضحًا أن بعض المقولات السردية تستخدم طرقًا مثل: الإعلام، العرض، التوصيل؛ في حين يستخدم بعضها أسلوب الإظهار عن طريق الكشف التتابعي للأحداث. كما يُوضح أن وصف القصة بعبارات سردية مجردة مثل "يقول"، "يروى"، "يحكى" فهذه في الحقيقة تمثل تعبيرًا لا يمتّ للقصة بصلة؛ فالقصة هي عرض ظهوري وخيارات صُنعت تبعاتها في بيئة محددة؛ أي في "لغة مكتوبة" من خلال القصة التي هي في الواقع كينونة مجردة. "وللحديث تتمة في زاوية قادمة"