الدين مكون رئيس لهذا المجتمع والتدين مرجعية راسخة في هذا المجتمع والتحدي الأكبر أن انعتاق المجتمع من ثقافة الصحوة يجب أن يذهب به إلى الوسط وليس تطرف آخر في المسار الثقافي.. كل ما يجب أن نتقبله اليوم أن جيل الشباب في مجتمعنا هو نتاج مرحلة مختلفة عن تلك التي عشناها لذلك هو يفكر بطريقة مختلفة علينا فهمها وتقبلها، وتنحسر التقاطعات الإيجابية بين جيل الشباب والأكبر سناً بشكل تدريجي، وهذه النتيجة يعاني منها العالم كله وليس مجتمعنا فقط، والسبب أن الثلاثة عقود الماضية شهدت تحولات دولية في عالم التقنية وتكنولوجيا التواصل، وكل ما حدث خلال العشر سنوات الماضية تحديداً يشبه إلى حد كبير نمو شجرة الخيزران فهو من أسرع النباتات نمواً فبعض أنواعه تنمو بمعدل 91 سم في اليوم. السؤال هنا يقول: ما علاقة هذه المقدمة بعنوان المقال؟ الحقيقة أن ذلك مرتبط بشكل كبير بالمرحلة التي عاشها المجتمع خلال الأربعة عقود الماضية والتي تضاءلت فيها الفرص لنقاش الثقافة أو حتى التحاور معها وتحديداً زمن الصحوة وهو زمن يجب ألاّ نستهين بتأثيراته السلبية على آليات تفكيرنا، فالحاجات التي خلقتها الصحوة لتكريس النزعة الاستهلاكية للممارسات الدينية وأداء العبادات تحولت إلى نزعة مطاطة جداً يستحيل إرضاؤها، لذلك أصبح المجتمع وأصبحت التطورات التي خلقتها الصحوة لا تقف عن محطة دينية بعينها وأصبحت الحاجات الجديدة تخلق عند كل رغبة تهدف لإشباعها الصحوة. بلغة أكثر دقة لقد أصبحت تعاليم الصحوة تخضع لدورة من الرغبات التي ليس لها نهاية، وانقسم المجتمع لفرق متعددة كل فريق يرى أن أداءه للمهام العبادية على طريقة الصحوة أكثر مصداقية من غيره، حيث تحولت الصحوة إلى شجرة من التعاليم تتفرع بشكل عنقودي، المشكلة الأكبر هي أن من يغذون هذه الشجرة عند الجذع لم يرفعوا رؤسهم إلى كم الفروع والأغصان والتفاصيل في شجرة الصحوة والتي نمت دون حاجة إليها، لقد تجاوزت الصحوة بشجرتها الكبرى المجتمع وتشابكت مع أشجار نمت بجانبها في مجتمعات قريبة وبعيدة. النتيجة التي توصلنا إليها أن إيماننا أصبح يعاني بشكل مؤثر من تحوله إلى «إيمان صارم وغير متسامح» وهكذا أصبحت ثقافتنا تعتاد الصرامة وعدم التسامح في كثير من مساراتها، في الواقع ليست القضية المجتمعية تدور اليوم حول كيفية تغييب الصحوة عن المشهد لأنها سوف تغيب قسرياً أمام جيل يتحول ويتطور كما شجرة الخيزران بفعل التقنية والذكاء الاصطناعي. هذا يطرح سؤال حول قضية تشغل المجتمع وتجادل حول قدراتنا كمجتمع على خلق «نموذج معتدل لإيماننا» وحمية فكرية تعيد تقليم شجرة الإيمان في المجتمع التي خضعت لثقافة صحوية كانت تغذيها من مصادر ثقافية جعلتنا نعتقد أننا فعلياً نعاني من نقص شديد في طريقة إيماننا لذلك أصبحنا نتقبل رسائل الصحوة بأن الطريقة الأمثل لإكمال هذا الإيمان تتمثل في خلق أغصان جديدة وأوراق وفروع جديدة. لقد كان المجتمع يتقبل زياة في حجم تدينه دونما علم بأن ذلك يثقل كاهله ويزيد من اضطرابه الداخلي والخارجي، لقد بنت الصحوة ثقافة شديدة الحساسية بيننا، حيث يصعب ضبط ردود أفعالها بل إن ضحايا هذه الثقافة الصحوية امتلأت بها قصص الصحويين وإعلامهم، وهذه حقيقية علينا أن نعيها بعمق لأن المجتمع يتطلع إلى أن يعمل على بدائل واقعية وعقلانية تعيد بناء ثقافة دينية تمنح الجميع فرصة الانضواء تحتها بعدل ووسطية. مجتمعنا مجتمع مسلم متدين بطبيعته وسوف يظل كذلك ولن يقبل أحد بتجاوز هذا المفهوم ليصل إلى أسس البناء، فهذا المجتمع وعبر مئات السنين عاش تحت تأثير ثقافة وجوده في محيط أكثر المواقع الإسلامية قدسية وهذا أنتج الالتزام التلقائي وهذا ما يجعل التفكير المطلوب هو كيفية بناء إيمان متسامح يؤدي إلى نتائج تسهم في انضباط الثقافة المجتمعية، علينا ألا نشعر بالذنب عندما نفكر جدياً بتقليم شجرة الصحوة لأن كل ما جعل هذه الشجرة بهذا الحجم كان مجرد استهلاك مضاعف للتراث واستنزاف مستمر للطاقة العقلية حيث وجد المجتمع نفسه أمام قائمة طويلة من المتطلبات الدينية الإضافية والتي تم إدراجها عبر ثقافة الصحوة وكأنها ضمن الأسس والأركان الدينية. الدين مكون رئيس لهذا المجتمع والتدين مرجعية راسخة في هذا المجتمع والتحدي الأكبر أن انعتاق المجتمع من ثقافة الصحوة يجب أن يذهب به إلى الوسط وليس تطرف آخر في المسار الثقافي، الجيل الجديد يمتلك القدرة على التحول والتطور في ظل توازنه، ولكن على المجتمع التحاور بجدية من أجل خلق مسار توعوي يحدث التوازن في ثقافة المجتمع، فالثقة أصبحت أقل في الكثير من الرموز التي خلقتها الصحوة، لهذا يجب أن يوجد بدائل لهذه الرموز عبر مشروعات استراتيجية وثقافية تتقدم المجتمع لتخرجه إلى إيمان أقل صرامة وأكثر تسامحاً. Your browser does not support the video tag.