الغش التجاري ظاهرة عالمية ومشكلة مؤرقة لكثير من الدول، ساهم الانفتاح الاقتصادي المتواصل بين الدول والمقترن بما يشهده العالم من تقدم علمي وتطور تقني في تعدد أدواته وتنوعها وتزايد أساليبه المتسارعة ودقة تقنياته المتناهية،وبالتالي سهولة تمرير الممارسات التي تنطوي على غش على المستهلكين وبيئة الأعمال؛ فالغش أحد العوامل المعرقلة لنمو الاقتصاد، وأهمها الثقة في بيئته نتيجة لما تنطوي عليه ممارساته من وخداع وتدليس وتحايل تؤثر في أصالة صحة المعاملات والثقة في سلامة التعاملات. فإذا كان الغش التجاري التقليدي متصورٌ مثلاً في السلع والمنتجات والبضائع والأدوات أياً كان نوعها (غذائية، كهربائية.. إلخ)، كما هو الحال في من يغش الأغذية ويخلط معها مواد ملونة أو كيميائية أو سامة لتغيير لونها أو طعمها أو وزنها بقصد تصريفها بالمخالفة لمأمونية سلامتها؛ أو كما هو الحال فيمن يصرف قطع السيارات المقلدة على أنها أصلية وتتطابق مع المواصفات المتطلبة نظامياً؛ فإننا اليوم بصدد نوع مستحدث ومتزايد من الغش البواح في قطاع التشييد والبناء العقاري وقطاعات الخدمات المتنوعة؛ مثلا من يبني منزلاً بقواعد أسمنتية وهيكل إنشائي معيب، وحديد وتمديدات وأدوات كهرباء وسباكة مغشوشة وفي مرحلة التشطيب يستخدم وسائل تدليسية لطمس رداءة البناء وإخفاء عيوبه خلافا لمعطيات الواقع، يدرك بما لا يدع مجالاً للشك الضرر والنتائج الخطيرة، إن لم تكن القاتلة لأعماله في جميع الأمثلة السابقة الذكر؛ ولهذا تظهر أهمية مكافحة الغش ليس فقط من أجل حماية رفاهية المستهلك إجمالاً وتجنيبه كل ما من شأنه أن يضر بصحته أو يؤثر في سلامة غذائه ودوائه عبر حمايته من الممارسات والسلع والمنتجات والمواد والأدوات المغشوشة أو الفاسدة والمقلدة، وإنما كذلك توفير الحماية والغطاء القانوني للممارسات التجارية السليمة وتعزيز تنافسيتها في بيئة أعمال ترعى المنافسات المشروعة وتحفظ حقوق الملكية. ولهذا نقول نحن اليوم وفي إطار إعادة بناء أو ترميم مصفوفة التشريعات الاقتصادية لتأكيد تكاملها بما يتوافق مع المرتكزات الاقتصادية لمستهدفات رؤية الوطن 2030 الطموحة، نحتاج إلى تحديث قانون مكافحة الغش التجاري ليواكب الأصناف المستجدة والصناعة المعقدة والإمكانيات الواسعة والأنماط الحديثة في خداع المستهلكين لتمرير حالات الغش التي يصعب غالباً على المستهلكين ملاحظتها طبيعياً أو اكتشافها مادياً لدقة أساليبها؛ فأهمية وجود إطار قانوني شامل ومتكامل لحماية المستهلك من الغش تبرز بقدر حجم ما يبرزه من خطر ومخاطر ومضار على المجتمع والاقتصاد الوطني، ولكن تبقى وكمكمل للجهد التشريعي فعالية الوسائل الرقابية ومصداقية الأدوات العقابية الملموسة على أرض الواقع هي ما يعول عليه لارتقاء تصنيف بيئة الأعمال الوطنية إيجابياً في المؤشرات العالمية. Your browser does not support the video tag.