كلمة كلنا متفقون على نتانتها، وكلنا متفقون على تخلف من يمارسها، وأنَّه في أقرب نقطة للجاهلية الأولى؛ لكن حينما نلتفت يميناً، وشمالاً فإن مظاهرها تلوح في أُفق المجتمع، وتطفو على سطحه بطرق، وأشكالٍ مختلفة، وألفاظها تبدو دارجة في حياتنا اليومية يُذكِي نارها الجهل، والموروث السائد الذي يعتمد على الصور النمطية الجاهزة التي تدعو إلى تصنيف المجتمع، وإقصاء فئات منه بموروثات ما أنزل الله بها من سلطان، وهؤلاء حقيقية لا يعون أن الإنسان لا يتميز عن غيره إلا بالعقل، والدين، والخلق وما عدا ذلك؛ فالناس سواسية (كلكم من آدم وآدم من تراب). إن (الأيديولوجيا) التي تنبثق منها العنصرية لا تملك دليلاً، ولا منطقاً لها؛ لكنَّهاتتحرك في أجواء الجهل وأسوأ منها أهدافها؛ فهي في الغالب لا تعمل للتنمية، ولا للتطور؛ بل تنحصر في خدمة مصالح، ومكتسبات فئة من الناس يتسترون بلباس العرق، أو الإقليم، أو اللون، أو حتى الجنس، وقد تصل في أسوأ صورها إلى التحزب بلباس المذهب، هؤلاء يزرعون هذه الفكرة في عقول أجندتهم لتنفيذها ويتلقفون المكتسبات ليبقى المجتمع مشحوناً يجلد ذاته بعيداً عن مصالح وطنه، يسير أفراده وهم مُؤدلَجون بأفكارٍ تُحدد طريقة تعاملهم مع الآخرين. إن العنصرية هي الوجه القبيح للإنسان وتزداد خطورتها حين تنتقل الفكرة إلى ممارسة على أرض الواقع كما حصل في الحقب المظلمة من تاريخ أوروبا في القرن الميلادي الماضي حينما كاد هتلر النازي، وموسوليني الفاشي أن يدمرا شعوبهما تحت تأثير هذا الفكر العنصري البغيض. وإذا حاولنا تتبع هذا الداء ومعرفة أسباب تفشيه في مجتماعتنا نجد أن السبب الأول والأهم هو إبعاد عناصر المفاضلة التي تعتمد على الكفاءة، والتميز الإيجابي والتي تبناها الإسلام من حين بزوغ نوره، ووضعت الدول قوانينها المُحارِبة للعنصرية قريبة من هذه الفكرة؛ وهي المساواة بين أفراد المجتمع. وهذه المفاضلة الراقية هي التي ساوت بين الخلق، وجعلت التمييز بين البشر تمييزاً إيجابياً مُتجدداً قابلاً للتغير حسب إنتاجية الإنسان، وليس تمييزاً سلبياً جامداً لا يعتمد على تميز الشخص نفسه؛ بل يعتمد على الانتماءات وهذه النظرة إذا انتشرت في المجتمع، وبيئات عمله حصرت الحقوق، وألغت مبدأ الكفاءة، وخسرت بهذا الاحتكار مجتماعتنا العديد من الكفاءات المبدعة في كل مجال، وأدخلت المجتمع في أجواء من الشحناء، والكره، وأخرجته من الانتماءات السامية التي تدعو للانتماء للدين والوطن دون المساس بالآخرين، وهذه الانتماءات الراقية تُعزز الشعور التعاوني غير المحصور بأفق ضيق تصب مصلحته لصالح جميع أفراد المجتمع وليس محصوراً بفئة معينة. وبهذه المعادلة الرائعة ستتوارى أمور الجاهلية، ويحل مكانها القيم الإسلامية، والإنسانية الراقية، ويصبح تمايز الناس بدينها، وأخلاقها، وعلمها، وخدمتها لأمتها، ووطنها؛ لا بأصولها، وألوانها، وأقاليمها (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). Your browser does not support the video tag.