ضجت أوساط الشعراء بالتفاعل مع تصريحات الدكتور فهد العرابي الحارثي التي أطلقها مؤخراً في إحدى القنوات، حين قال: «لا يوجد شاعر فصيح سعودي استطاع أن يعكس ثقافة هذا المجتمع كما يعكسها شاعر شعبي، مضيفاً: إنني أجد في بعض القصائد الشعبية ما يطربني أكثر من القصائد الفصيحة، واختتم الحارثي تصريحاته المثيرة للجدل بالقول: «إن الهزاني أشعر من امرئ القيس». اللهجات لا تملك كفاءة لغوية تترجم ثقافة الأمة وحول تصريحات الحارثي التي اعتبرها الشعراء صادمة، قال الشاعر جاسم الصحيح: يذكِّرني ما قاله الدكتور فهد الحارثي بما قاله قبل عدة أعوام الشاعر اللبناني عصام العبدالله، وهو شاعر شعبي، قال: (القصيدة الشعبية هي ابنةُ البَوَّاب بينما القصيدة الفصيحة هي ابنةُ القصر)، في إشارة إلى أنّ القصيدة الشعبية هي قصيدة الجماهير التي تعبر عن ثقافتهم. ولكنني أعتقد أن كلام العبدالله غير دقيق كما هو كلام الدكتور فهد الحارثي، فالشعر الفصيح قدَّم لنا شعراء كباراً وقصائد كبرى هي أقرب لأن تكون أبناء وبنات البوَّاب والشوارع والجماهير العامة، ولا أدلَّ على ذلك من قصائد الصعاليك وامرئ القيس وطرفة بن العبد قديماً، مروراً بعمر بن أبي ربيعة وأبي نواس، وصولاً إلى مظفر النواب ونزار قباني ومحمد الثبيتي ومحمد العلي وغيرهم كثير. أعتقد أن اللهجة الشعبية لا تمتلك الكفاءة اللغوية - بسبب محدوديتها الجغرافية وسرعةِ ولادةِ وانقراضِ كلماتها - لأن تترجم المسيرة الثقافية لأمَّةٍ من الأمم، أو شعب من الشعوب على أيِّ صعيدٍ ثقافيٍّ بما في ذلك الصعيد الشعري. وإذا ما عدنا إلى الماضي القريب جداً، فإنَّ مسيرة الحداثة في وطننا (المملكة العربية السعودية) أنجزها وسطَّرها شعراء الفُصحى ونقَّادها ابتداء من حمزة شحاتة ومحمد حسن عواد مروراً بغازي القصيبي ومحمد العلي ونجوم الشعر في الثمانينات والتسعينات إلى يومنا الحاضر. كل هؤلاء الشعراء الفصيحين قدَّموا خطاباً اجتماعياً وفكرياً عاماً عن مسيرة المجتمع، ولم يكن خطاباً شكلياً بعيداً عن الحياة. إنَّ نجاح بعض شعراء اللهجة الشعبية في فترة وجيزة لا يمكن أن يُعتبر انتصاراً على الشعر الفصيح العابر للأزمنة والأمكنة، ومن غير المعقول أن يكون قد مرَّ على الأمة العربية شاعرٌ شعبي بحجم امرئ القيس أو المتنبي، لأنّ اللغة العربية الفصحى هي أصل الشعر العربي وهي الجسر السليم لعبور القيم والثقافات بين الأجيال، وليس اللهجات المحلية. وفي الوقت ذاته، لا أرى مشكلة في أن يميل شخصٌ ما إلى القصائد الشعبية أكثر من ميله إلى القصائد الفصحى فالأمر يعتمد على ذائقة ذلك الشخص وثقافته وفضائه الاجتماعي. وعلق الشاعر الكبير إبراهيم مفتاح قائلاً: إن القضية تخص الذوق أو التذوق بالدرجة الأولى، وللناس فيما يعشقون مذاهب. وتساءل في ثنايا تعليقه على تصريح الحارثي قائلاً: هل كل قصيدة – على الإطلاق – تعجبه أو تطربه؟ فإن كان الأمر كذلك، فإن في رأيه هذا إعادة نظر، لأن ما كل شعر (شعبياً أو فصيحاً) يرتقي إلى مستوى الشعر. جاسم الصحيح د. فهد العرابي الحارثي Your browser does not support the video tag.