كتب الشعر , وجرّب دروب السرد والحكاية والنقد الأدبي, وفي كل حقل تطأه قدم أبجديته يكتشف أن لهذا الحقل أطراً متينة صنع قالبها ( النسق) , لذا قرر أن يكون مشروعه ليس إصلاح هذه الحقول بل تفكيكها ومحاولة إيجاد أرض حرة جديدة بعيداً عن سلطة الأنساق التي تسيطر على جذور هذه الآداب, فإن كان دور الناقد الأدبي هو تشذيب الأغصان وترتيب مسارب الماء والتعامل معها ( كبستانيّ) أدواته التجريب والخبرة والذائقة , فإن الناقد الثقافي يخرج من الحقل ويختار مكاناً عالياً ليرى الحقل كاملاً - بما فيه اشتغال البستاني / الفلاّح – ويحاول أن يعرف ما الذي سبب الخطأ, أي أن الناقد الأدبي يتعامل مع النتائج , فيما الناقد الثقافي يحاول معرفة الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج! هكذا اختار الدكتور عبدالله الغذامي طريقه أو مشروعه الذي صنع له خصوماً من التقليديين والحداثيين بنفس الوقت , من عوض القرني الرمز التقليدي الشرس, إلى الدكتور سعد البازعي الحداثي الطليعي المتنوّر, ومن محبي الشعر الشعبي, إلى محبي أدونيس ومحمود درويش, ناهيك عمن ينظر لمفردة ( حداثة) بتوجس , إن لم تكن نظرة عداء تعتبر الحداثة عامل هدم للغة والأخلاق والدين. بدءاً من تأريخ الحداثة السعودية في كتابه ( حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية ) الذي أثار الجدل , والغريب أن الجدل الذي أثاره عنوان الكتاب أكثر من الجدل حول الكتاب ذاته, وليس انتهاء ( بتغريداته ) التي تثير نقع الجدل في تويتر بين فترة وأخرى , ولعله وجد في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي مساحة رحبة لم يجدها في الأندية الأدبية التي كان له فيها تاريخ من المماحكات والصراع حتى لتخال أحياناً أن (الحبر وصل الركب) , والمشرط وصل العظم ! صاحب النظّارة السميكة , والنبرة الهادئة , والملامح النجدية التي تحمل هدوء وتفرّد مسقط رأسه ( عنيزة) الآسرة, حطّم أسطورة الأديب النخبوي القابع بين رفوف مكتبته متعجباً من غوغاء الشارع, فاختار الغذامي ( السبعيني) صخب الناس, وضوضاء الشارع من خلال عالم ( النت), وربما وجد في ما يُسمى ( بالعالم الافتراضي) شيئاً جديداً أقرب لنظرية ( موت المؤلف), إذ إنك تقابل الآراء الحادة والغاضبة, بل وحتى ( قليلة الأدب), وهذه كلها تتعامل معها بصفتها جزءا من النسق الذي تعرفه جيداً, وهذا كفيل بأن يجعلها غير مستفزة, ولا يجعلك تتعامل معها بعداء, فالناس ( أعداء ماجهلوا), وهذا ما جعل الغذامي متسامحاً مع حدتها, لأنه (يعرفها) جيداً, إذ إن العداء- أو لنقل الرفض- غالباً مصدره الجهل بالشيء , وهذا ربما ما صنع المفارقة بأن يكون الأديب جماهيرياً, فالغذامي (الأكاديمي الأديب المثقف) ينافس نجوم الرياضة والفن في مواقع التواصل الاجتماعي, في الوقت يكتفي فيه غيره من المثقفين على (التباكي) على انشغال الجيل الجديد في السوشال ميديا والرياضة عن القراءة وأفول الوعي, وعلى غرار تنبيه الغذامي بانتهاء وقته المخصص لمحبيه في السوشال ميديا بعبارة ( حدّي الثامنة), فإن ( حدّي أنا) في المساحة انتهى. Your browser does not support the video tag.