عندما تتحدث قامة إعلامية كبيرة وقيمة مهنية لها تاريخها العريض، مثل أستاذنا خالد المالك، عن مستقبل مؤسساتنا الصحفية، في ظل التحديات الصعبة التي تواجه صحافتنا المطبوعة في عصر الإعلام الرقمي، وهواجس الانحسار والتراجع، فإننا أمام جرس إنذارٍ له أهميته القصوى، يضعنا جميعاً على المحك وربما المنعطف الأخطر في مسيرة مؤسساتنا الإعلامية وصحفنا المطبوعة.. وبالشكل الذي كان أستاذنا المالك، أكثر صراحة في اعتبار أنه «ربما إذا ما تأخرت الحلول لمعالجة أوضاعها، وتم التباطؤ في أخذ القرار المناسب، قد لا نستطيع أن نمتلك القدرة في الاحتفاظ بها، بوصفها صوتاً قوياً، وواجهة مؤثرة في خدمة بلادنا، والدفاع عن مواطنينا، ونقل الصورة الحقيقية الصادقة - وبكل الإخلاص- عن وطننا الغالي» حسب قوله في مقاله المؤثر. قد يكون انحسار الإعلان، وتراجعه في الفترة الراهنة مبرراً مقبولاً، ولكن الأهم في رأيي هو تحديات الإعلام الرقمي بكل إيجابياته وسلبياته، التي جعلت من أخبار الصحف «بضاعة بايتة» في وقت كان الإعلام الرقمي مصدراً مباشراً للمعلومة الحية، بالصوت والصورة، وفي نفس التوقيت، ولكن كان هذا الإعلام أيضاً مكلفاً للغاية، وهو ما اضطر بعض المؤسسات لدينا، وفق تعبير المالك، إلى «تحجيم الإصدارات الإلكترونية في كل مؤسسة صحفية بعد أن أصبح الإنفاق على استمرارها غير مقدور عليه، وصولاً إلى هيكلة المؤسسات الصحفية بعمليات جراحية، بما مثل تراجعاً مخيفاً في استمرارها قوية كما كانت».. وهنا جوهر المشكلة التي للأسف لم يعمل لها أحد حساب. صحيح أن بعض الصحف في أنحاء عديدة من العالم ألغت إصداراتها الورقية، واتجهت للبديل الإلكتروني المدفوع الثمن باعتباره ثقافة العصر، إلا أنني أعتقد أننا لم نصل بعد لمثل هذه المرحلة من الاستيعاب الضروري لإحدى الإشكاليات المزعجة، وفي مرحلة مفصلية من مراحل تطور إعلامنا المقروء والمطبوع بالذات، الذي يبقى له بريقه لدى كثيرين. شجون الأستاذ خالد المالك، ترمي بالحجر الثقيل وسط المياه الراكدة، وتعيد للأذهان الكثير من الأسئلة عن مستقبل صحافتنا الورقية وكل العاملين فيها ومعهم أيضاً كل المؤسسات الإعلامية التي تشكل منظومة مهمة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي مقارنة بصحف عربية أخرى، تعاني أيضاً من ذات المعضلة، ولا يمكن أبداً تصور أن تنقرض هذه الصناعة تحت وطأة الضغوط المالية، وهنا أتفق مع المالك، في ضرورة تدخل أعلى سلطات الدولة كي لا نفقد مؤسسات عملاقة تأسست وتطورت لتخدم رسالة الوطن والمواطن. لا أعتقد أننا سنقف مكتوفي الأيدي والتفكير أمام هذا العجز الواضح لدى العديد من المؤسسات الصحفية، رغم الترشيد الحاد في المصروفات، والبحث عن موارد بديلة للإعلان، ومع إجراء هيكلة لها، واستمرار العجز في ميزانياتها، إذ لا بد من التفكير في حلول من خارج الصندوق، تتماشى مع رؤية 2030 الإستراتيجية التي تعتمد على كل المؤسسسات والهيئات لتثبيت محاور التنمية، وأثق في قدرتنا على تجاوز هذه الأزمة وإعادة الحياة لنبض الوطن الإعلامي وعمق رسالته التوعوية التي لا نستغني عنها أبداً. Your browser does not support the video tag.