لعل أجمل مافي الأوامر الملكية التي أعلنت ليلة السبت الماضي هو تثبيت صرف الرواتب بالتاريخ الميلادي بدلاً من التقويم الشمسي والأبراج التي أربكت مواعيد الرواتب وجداول الناس، وأما أهمية هذه الأوامر فلاشك أنها تتمثل في تخفيف ثقل فاتورة الإصلاحات الاقتصادية على المواطن وعلى النشاط الاقتصادي بمجملة في البلد. اقتصاديا، السوق لدينا يعاني من ركود منذ مايقارب ثلاثة أعوام، ولذا فإن فرض ضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار البنزين والكهرباء وكذلك زيادة تكلفة العمالة الوافدة كلها عوامل تقود السوق إلى مفاقمة الركود بسبب انخفاض القدرة الشرائية للناس من جهة، وارتفاع التضخم بسبب التكاليف الجديدة على جانب العرض من جهة أخرى. وهذان العاملان مجتمعان كانا حتماً سيدخلان الاقتصاد في دورة جديدة من التضخم الركودي، إلا أن أوامر السبت خففت كثيراً من هذا السيناريو، والمتوقع حالياً أن يسهم تحفيز جانب الطلب في امتصاص كل أو معظم التكاليف التي سيتحملها جانب العرض بدءاً من هذا الشهر (خصوصاً للسلع غير المرنة). ولكن حتى مع تلاشي سيناريو الوقوع في التضخم الركودي، إلا أنه لا يمكن القول إن أيام الركود أصبحت خلف ظهورنا، فحتى مع تعويض المستهلك عن ارتفاع الأسعار إلا أنه ليس متوقعاً أن يسارع الناس إلى السوق لزيادة مشترياتهم، فالتوجس وترقب ارتفاع فواتير الخدمات العامة وزيادة الأسعار في السوق ستجعل الناس تفكر أكثر وأكثر قبل التوسع في الصرف على ماوراء الضروريات والحاجات الرئيسية. عودة للأوامر الملكية، فلاشك أن إعفاء الخدمات الصحية والتعليمية من ضريبة القيمة المضافة أمر يستحق الإشادة والتقدير، كما أن إعادة العلاوة السنوية لموظفي القطاع الحكومي جاء في توقيت مناسب مع صرف بدل غلاء للموظفين والمتقاعدين وطلاب الجامعات ليرفع من قدرة الناس على تحمل الآثار السلبية الناتجة عن الإصلاحات الاقتصادية التي تعيشها المملكة اليوم. وبالتأكيد، ونحن نرفع الشكر لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ولولي عهده الأمير محمد بن سلمان على تدخلهما السريع وإصدار الأوامر الكريمة لرفع تأثير الإصلاحات الاقتصادية عن كاهل المواطن، إلا أنه على اليد الأخرى لابد من التأكيد على ضرورة فتح ملف الإخفاق الكبير للقائمين على برنامج حساب المواطن. فالمؤكد أن المبالغ التي اعتمدها هذا البرنامج وطريقة احتسابها وإدخال راتب الزوجة ضمن معايير احتساب مبلغ التعويض وغيرها من المعايير ضيعت الهدف من البرنامج، وجعلت شروطه محبطة للمواطن وجاءت المبالغ التي صرفها للناس لتكون أكثر إحباطاً. لذا فالمأمول مراجعة هذا البرنامج من ألفه إلى يائه وتطويره ليكون برنامج ضمانة وحماية اجتماعية فعلية لأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة، وهذا هو مبرر وجوده أصلاً، فالبرنامج فكرته جيدة إلا أن معاييره ومبالغه وإدارته تحتاج كلها لمراجعة وتعديل وغربلة. ختاما، أوامر السبت جاءت مبهجة ومفرحة وداعمة لكل فئات المجتمع، فقد شملت الموظف والطالب والمتقاعد، وكان جميلاً أيضاً تفاعل بعض مؤسسات وشركات القطاع الخاص معها بإعلانها صرف بدل غلاء لموظفيها، والأهم أنها جاءت في توقيت جيد للناس وللسوق وقللت احتمالية انزلاق الاقتصاد لتضخم ركودي يصعب الفكاك منه لو استوطن فعلياً في جسد الاقتصاد. Your browser does not support the video tag.