تستعد هيئة الزكاة والدخل لبدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة مع إطلالة أول يوم من العام الميلادي الجديد، كما أن هناك حديثاً متواتراً عن قرب رفع الدعم عن أسعار الوقود في المملكة وصرف بدل للمواطن من خلال حساب المواطن الذي تم إنشاؤه لهذا الغرض.. اقتصادياً، كلاهما-الضريبة ورفع الدعم عن أسعار الوقود- يعني تكلفة ستضاف على سعر السلعة أو الخدمة وتؤثر على جانبي العرض والطلب في السوق، وترفع مستوى التضخم في الاقتصاد. والنقطة الأخيرة، والتي هي التضخم هي موضوع هذ المقال، فالتضخم لدينا يسجل رقماً سالباً منذ حوالي عامين، وهو مؤشر ليس جيد على آداء الاقتصاد، لأنه يعني ببساطة أن الاقتصاد يمر بمرحلة ركود وتباطؤ ولا يحقق نمواً يذكر. يعرف التضخم أنه "الارتفاع المستمر في الأسعار"، وبالتأكيد، فالتضخم قد ينظر له أنه جيد أو محفز للنشاط الاقتصادي إذا كان ناشئاً عن زيادة في جانب الطلب، ولكن هذا ليس هو السبب الذي سيرفع التضخم عندنا، فجانب الطلب في ركود ويتوقع أن ينخفض أكثر حتى مع التعويض عبر حساب المواطن، لأن التعويض سيكون للسعوديين فقط، بل إنه سيكون للبعض منهم وليس كلهم، وهؤلاء لا يمثلون إلا حوالي نصف جانب الطلب في السوق. التضخم المتوقع حدوثه عندنا بعد فرض الضريبة ورفع الدعم عن أسعار الطاقة سيكون بسبب ارتفاع التكلفة على جانب العرض (يسمى تضخم دفع النفقة Cost-Push Inflation في حين يسمى النوع الأول تضخم جذب الطلب Demand-Pull Inflation). وهذا النوع من التضخم الذي ينشأ عادة من رفع التكلفة على المنتجين مع نقص الطلب أو ثباته من جانب المستهلكين قد يدخل اقتصادنا في ما يعرف اقتصادياً بظاهرة "التضخم الركودي Stagflation"، وهو أسوأ أنواع التضخم في العصر الحديث. بالطبع، هناك مصدر ثالث للتضخم في اقتصادنا لا يجب إغفاله وهو التضخم المستورد الناشئ عن ارتفاع تكلفة السلع التي نستوردها أو عن تغير أسعار صرف العملات العالمية، ولكن لأنه ليس في يدنا التحكم فيه فلا يتم الحديث عنه عادة، ويضيفه البعض عادة للنوع الثاني من التضخم الذي هو تضخم دفع النفقة. ختاماً، لتجنب الوقوع في ظاهرة التضخم الركودي، فالمأمول أن يتم تحفيز جانب الطلب أولاً من خلال البدء بإقامة المشاريع الإسكانية المعلن عنها سابقاً، وأن يتم دعم القطاع الخاص وخصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالمبلغ المعلن سابقاً وهو 200 مليار ريال بأسرع وقت إضافة إلى تسريع عملية إحلال المواطن محل الوافد في برنامج التوطين الموجه، وغيرها من التحفيزات المالية. فتحفيز الطلب في هذه المرحلة ضروري وحيوي لإخراج الاقتصاد من ركوده الذي جاوز العامين تقريباً، كما أن التحفيز ضروري اليوم حتى لا يدخل الاقتصاد مرحلة تضخم ركودي، وهو ما يعني تطلبه للمزيد من الإنفاق والمزيد من الوقت لإخراجه منه.