لم تكن رجلا عاديا ليصبح حبي اليك عادياً .. كان الشيء الذي يقسمنا كبشرين منفصلين عن توحد الحالة الجسدية والبشرية الواحدة هو اننا خلقنا من أمهات مختلفات، وأتى كل واحد منا من بيئات يتفاوت فيها شكل الطعام واهمية الاشياء وتباين العادات والطقوس المختلفة لكننا في الحقيقة كنا قدراً لكل الاشياء الرمزية التي تدل على الانتماء والجزء من الجزء المنتهي بالكل . الليلة اكتب اليك رسالتي الاخيرة بعد أن قال الاطباء بأن يومين يفصلانك عن الموت، وبأنه من المحتمل الكبير أن نفترق قبل ليلة رأس السنة الميلادية التي كنا نوقظها بالطيش والصخب والاحلام القادمة التي لم نكن نلاحقها بل إنها كانت تهرول إلينا لتسرقنا إذا ما كانت السرقات في مدننا ممكنة . في هذه الليلة الشاحبة الباردة العجوز يتوجب على امرأة مثلي أن تكتب إليك رسالتها الاخيرة وأنت الرجل الذي قاسمني كل شيء، استدارت المدينة التي كنا نحسن كثيرا قياس شوارعها، اشواق تدافع الامواج في عيون أطفال لم نأت بهم، صباحات مربوطة بلياليها ورائحة قهوة كنا نحتسيها حينما نشعر باليتم سويا حينما الايام تشيح بقلبها عنا فتتركنا مربوطين عند حائط العزلة والخذلان. رائحة الاوكسجين عالقة بين يدي وصوت النبض يفتش في فوضى المشاعر بداخلي عن مخرج ، سريرك الابيض يقيم بين ضلوعي ومخرج النفس المتقطع منك يصل إلى صدري فيترك بصماته على روحي، عيناك التائهتان في عينيَّ مشبوكتان على غرفتي ووجهك الشاحب يتبعثر بين ملامحها، قدماك يابستان كتلك اليابسة التائهة بين محيطات وجداني، غرفة العناية المشددة ترتفع في ذاكرتي وتنخفض كحالة الطوارئ في مدن تتأهب للحرب والموت، الصمت لا يشبه حالات السكوت التي اعتدنا على ممارستها كلما وصل الحزن لقلبينا .. صمت موجع ومؤلم ومر وأسود .. والخوف يكتف افكاري فيتركها ضائعة في حالة اللحظة ما قبل الاخيرة لرجل يعيش بدمي ولكنه يموت.. والموت حالة تثير الاسئلة الكثيرة العشوائية والساذجة أحيانا لكنه في هذه المرة يثير بي اسئلة مجنونة تقيم معي ، تأكل معي ، تشرب معي ، تنام وتصحو معي وتفعل ذلك دون أن اقبض عليها، فما أقسى انتظار يقرض معك ثواني الوقت وساعات عمرك الذي يتأهب للوحدة والغياب، الموت يتركك في مواجهة حاسمة مع الذات فإما أن تقنعه أو أن يهزمك، يفلت كل جيوشه عليك ومن كل مكان، الامكنة هنا ليست في المشافي إنما في الاماكن التي عاشت معك الحكاية لذلك الجزء الذي يموت .. فيجهز عليك بكل طاقاته، وربما باغتك في لحظة ضعف شديدة منك وأخذ يرمقك بعينيه من بعيد من خلف نافذة تطل على الوحشة وظلمة الموقف .. وانت امام كل ذلك حائر وضعيف . ذلك الضعف هو ما يقهرك ويكسرك كقشة تأرجحها الرياح في كل مكان حتى ترميها اخيرا عند حافة السيارات الواقفة بمحاذاة الرصيف البارد والبيت المهجور . الليلة .. علي أن أعتذر لك عن ابتسامة خبأتها لك ونسيت أن اناولك إياها، علي أن اعتذر عن كلمة ضاعت في سياق احاديثك قلتها بشكل عابر ولم اهتم أن ألتقطها من جديد، علي أن اعتذر منك لأنني ذات يوم مارست عليك مزاجيتي وهبلي وطيشي، علي أن اعتذر منك لغيرتي الشديدة علي أن اعتذر عن عشقي لك الذي حملني كثيرا أن اغضب منك واقيم مأدبة مواقف طويلة دون أن افهم منك ، علي أن اعتذر منك لأنني لم استطع حتى اليوم أن احقق لك بعض احلامك وبأنني لطالما مارست معك الصمت الروحي لتفاهات كانت تتدحرج في طريقنا - احيانا - فتوقفني عن اللحاق بك لأسير قريبة منك .. علي أن اعتذر كثيرا كثيرا وعليك أن تفتح عينيك وأن تسامحني . عليك أن تحرك اصابع يديك لتقبض على جرحي وتخبرني بأنك ما زلت تفهمني، وبأن السنوات الضائعة لم تأخذ معها احلامنا القديمة وبأنه مازال لدينا الكثير حتى نكتبه بالقلم والورق الذي قربنا وربطنا ولطالما أوجعنا. لم تكن عاديا حتى أكون امرأة عادية تمر في حياتك دون أن تتعود على احتمال الأوجاع والصراعات والصمود .. كنت قويا بما يكفي حتى تمر من النفق وتمنحني يدك لنخرج سويا من الظلمة.. وكان الله سبحانه عادلا وكريما حين يعيدك من شتات الجسد واعود معك من شتات الروح.. فكانت رسالتي الاخيرة لرجل لم يمت. Your browser does not support the video tag.