علي الدميني، هذا الاسم يدعوك لمفازات رحبة ومغرية لتمرين ضباء الذاكرة والذائقة معاً، له في كل (سيمفونية) لحن، وله في أحراش الأدب دورب شاقة وممتعة، ابن قرية (محضرة) الجنوبية التي تستلقي على ذراع الباحة الباذخ، تخصص في الهندسة الميكانيكية، ف(هندس) الأبجدية كأحد أهم روّاد الحداثة في الثمانينيات، وربما أكثرهم جرأة. الدميني عوالم مكتظة بالدهشة شاعراً وسارداً، عوالم متنوعة في شخص واحد، يأخذك من عمق التراث على لحن عرضة جنوبية ليعبر بك (الخبت) و(بياض الأزمنة)، وكأنك على جناح (الغيمة الرصاصية) تتحول لحمامةٍ (وبأجنحتها تدق أجراس النافذة)، و(مثلما نفتح الباب) يحلّق بك، هذا القروي الذي أنِس البحر تحول لطائرٍ تثقله الأجنحة! مرّ ب(المربد) المحلّق الثقافي الأشهر آنذاك، فتحوّل معه لسماء ثامنة رحبة تدعو الأجنحة للتخلي عند حذرها والتحليق في فضاء جديد، ثم بخطوة حداثية تعرف أن متعة الخطوات تكمن في غواية التقدم، أسس مجلة (النص الجديد) فكانت فتحاً آخر، هو الذي يرى أن الشعر: "يفتح أعيننا على جماليات تفاصيل المعاش اليومي والكوني، مثلما يعيننا على امتلاك القدرة لمقاومة عنف الحياة وقسوة أيامه"، ويصف الشعر الشعبي -الذي تتوجس منه النخبة- أنه: (مخيال جمالي مهيب)، أما رؤيته لقصيدة النثر التي ضمنها بعض دواوينه ولم يجد فيها ذاته الفنية والثقافية -كما يقول- فيراها: (ليس لكونها ابنة المدينة فحسب، إنما كدلالة على تحقق الذات واستقلاليتها عن كل المؤسسات، وكعلامة على اكتفائها بذاتها في شتى المناحي الحياتية والثقافية. وبذلك تستعيد مخيال الإنسان القديم كواحد ومتوحد، يعبر بانطلاقة حرة عن مشاغله وعواطفه، عارياً من استبطان ظلال الهم الجمعي، أو استعارة آنيته الموسيقية). علي الدميني يجد صعوبة ومشقّة في الكتابة عنه، ليس لأنك لا تعرف عنه شيئاً، بل لأنه يجعلك -كقارئ- تعرف عنه كل شيء، بدءاً من ملامح فقد الأم بوجهه الطفولي، وليس انتهاء بما تثرثر به عيناه من خلف نظّارته السميكة عن أحلام كثيرة أنفق فيها الكثير من سنوات العمر، ومع ذلك يبقى (الكثير) الذي يطل علينا (مفرداً) لا يُشبه أحداً، ومنفرداً كمعراج للسماء، وهو القادر أن يعدّ الخبت وليمة تليق بسماء الشعر ومساءاته، ويبقى هو فضاء لوحده، وهو الذي يمر بالذاكرة مرور الكرام الشجعان النبلاء، أولئك الذين يبقى مرورهم وشماً تتباهى به الذائقة ولا تنساه!. فهيد العديم Your browser does not support the video tag.