تشكل البيانات الإحصائية في المجتمعات المعاصرة عنصراً مهماً لا غنى عنه في عملية التخطيط والتطوير والبحث والتحليل، وتساهم بشكل فعّال في عمليات صنع السياسات واتخاذ القرارات في جميع قطاعات التنمية، ولذلك أولت حكومة المملكة اهتماماً كبيراً بالبيانات الإحصائية، مؤشر تكلفة المعيشة ( التضخم ) هو أحد أهم البيانات الإحصائية التي تستخدم في عدة نواحٍ من قبل الحكومات والشركات، وتلعب دوراً مهماً في تحديد السياسات النقدية والمالية والاقتصادية للحكومات وذلك لأن معظم البنوك المركزية تستخدم التضخم لتحديد أسعار الفائدة وعادة ما يكون هناك نسبة تضخم مستهدفة من قبل البنوك المركزية، بدأت المملكة في قياس مؤشر التضخم في صيغته الحالية منذ عام 2007 فكانت هي سنة الأساس التي تم فيها تحديد رقم المؤشر على 100 نقطة أساس وخلال السنوات اللاحقة كان مؤشر التضخم يسير في النطاق الإيجابي ليسجل أعلى معدل في شهر يوليو 2016 بنسبة 138.1 % ليبدأ التراجع اعتباراً من شهر أغسطس 2016 إلا أنه لا يزال في النطاق الإيجابي حتى وصل إلى شهر يناير 2017 والذي دخل معه المؤشر في النطاق السلبي ويصف الاقتصاديون هذا النوع من التضخم على أنه مؤشر سلبى للاقتصاد، لأنه لا يحدث إلا في حالة الركود، حيث إن انخفاض الأسعار هنا لا يكون إيجابياً، بل هو انخفاض بسبب عدم الإقبال على السلع، وهو ما يؤثر على الدورة الاقتصادية ومعدلات المخزون والإنتاج والبطالة. في هذا التحليل نتطرق إلى الآثار المترتبة من تراجع مؤشر التضخم على الوظائف وارتفاع معدلات البطالة، وكما هو معلوم أن التراجع السلبي لمؤشر التضخم في النطاق السلبي يأتي من ضعف القوة الشرائية ويترتب عليها ضعف المبيعات وانخفاض هامش الربحية لدى الشركات والمصانع والتي تلجأ عادة في حالات الركود الاقتصادي إلى خفض المصاريف لكي تعوض تراجع الأرباح أو حتى عدم الدخول في الخسائر ولذلك تلجأ كثير من الشركات إلى إيقاف عمليات التوظيف الجديد وإيقاف البدلات والعلاوات والحوافز حتى تصل إلى مرحلة التسريح من العمل، وهو ما يولد زيادة في نسب البطالة وظهر ذلك في مؤشر البطالة الذي ارتفع بشكل حاد خلال منتصف عام 2016 حتى وصل إلى أعلى نسبة في منتصف عام 2017 عند 12.8 %. وأوضحت الأرقام الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء أن الأسباب التي أدت إلى تعطل من سبق لهم العمل جاءت على النحو التالي 32.9 % من المتعطلين السعوديين الذين سبق لهم العمل تركوا عملهم بسبب التسريح من صاحب العمل، في حين أن 19.4 % تركوا أعمالهم السابقة بسبب قلة الرواتب وكذلك سجلت نسبة 12 % من نتائج ترك العمل بسبب أن العقد كان مؤقت أي أن حوالي 65 % من أسباب ترك العمل كانت لأسباب تتعلق بصاحب العمل وهذا نتيجة للركود الاقتصادي وقد يكون للمادة 77 والتي تعطي صاحب العمل الحرية في الاستغناء عن الموظف السعودي دون إبداء أي سبب للاستغناء عنه والتي استغلتها بعض الشركات استغلالاً سلبياً مما فاقم مشكلة البطالة. أدركت الحكومة أن الاقتصاد يمر بمرحلة ركود تسببت في تراجع مؤشر التضخم إلى النطاق السلبي وارتفاع معدلات البطالة ولذا قررت تأجيل برنامج التوازن المالي الذي كان مقرر له أن يتحقق في عام 2020 على أن يكون التوازن المالي وفق الخطة المعدلة هو عام 2023 ولذا جاءت موازنة العام 2018 كأعلى موازنة في تاريخ المملكة والتي سوف تنعكس إيجابياً على القطاع الخاص والذي تم دعمه بحوالي 72 مليار ريال لتحفيزه للنمو وخصوصاً المنشآت الصغيرة والمتوسطة وبرامج دعم الصادرات وسوف يرتفع الإنفاق خلال السنوات الخمسة القادمة حتى يصل إلى 1134 مليار ريال في عام 2023 والذي سوف يساهم في توليد وظائف جديدة للمواطنين وخفض معدلات البطالة. * محلل مالي حسين حمد الرقيب Your browser does not support the video tag.