أفاد صندوق النقد الدولي في تقريره الدوري «آفاق الاقتصاد العالمي» (نيسان/ إبريل 2010) نشره على موقعه الإلكتروني أمس، بأن التفاوت كان ملحوظاً بين الاقتصادات المتقدمة أثناء «الركود الكبير» لناحية تأثيره على أوضاع الناتج والبطالة. وقال عن دينامية البطالة أثناء حالات الركود والانتعاش، إنها ارتفعت في ايرلندا وإسبانيا بنحو 7.5 نقط مئوية، على رغم هبوط الناتج بأكثر من 8 في المئة في ايرلندا وبنصف هذا المعدل فقط في إسبانيا. أما في ألمانيا، فانخفض معدل البطالة على رغم هبوط الناتج بنحو 7 في المئة. وتوقع نمواً بطيئاً في التوظيف حتى نهاية 2011. ويقدم التقرير تحليلاً منهجياً لتطورات البطالة في عينة من الاقتصادات المتقدمة أثناء فترة الركود والانتعاش على مدار الثلاثين عاماً الماضية. ولأن أكبر محرك للبطالة تذبذبات الناتج، يستخدم تقرير صندوق النقد «قانون أوكن» الذي يركّز على العلاقة بين التغيرات في معدل البطالة والتغيرات في الناتج، ليكون إطاراً منظِّماً. ويشير اختلاف التأثيرات أثناء فترة «الركود الكبير»، فضلاً عن تفاوت أثر التذبذبات في الناتج بسبب الاختلافات في مستوى حماية الوظائف ونسبة العمال المؤقتين، إلى أن تغيرات البطالة كانت مدفوعة أيضاً بالسياسات والصدماتً. وترجع التأثيرات على البطالة في اقتصادات دولٍ، إلى هبوط الناتج والفروق المؤسسية وطبيعة الأزمة والسياسات المتبعة. ويمكن إرجاع الجانب الأكبر من ارتفاعات البطالة الحادة في إسبانيا والولايات المتحدة إلى أثر انخفاضات الناتج والضغط المالي وكساد أسعار المساكن. فمستوى الضغط المالي المرتفع يدفع الشركات الأكثر اعتماداً على التمويل الخارجي إلى تسريح العمال بمعدلات أكبر مقارنة بفترات الركود التي تخلو من الضغط المالي. ومعظم حالات الركود المصحوب بكساد في أسعار المساكن تقترن بفقدان قدر أكبر من الوظائف مقارنة بحالات الركود المعتادة، فتصيب الصدمات القطاعات الكثيفة العمال مثل قطاع البناء. وكان ارتفاع البطالة الناجم عن هذه العوامل أقل من المتوقع في بلدان طبقت برامج دورات العمل القصيرة (ألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا). أما البلدان التي تعرضت لبطالة أقل من المتوقع فلا تزال تمثل لغزاً (كندا والمملكة المتحدة). نمو بطيء للوظائف ويتنبأ التقرير بنمو متباطئ في توظيف العمال خلال فترة الانتعاش. وبغض النظر عن انتعاش الناتج الذي يمكن أن يكون بطيئاً، فإن طبيعة الركود الذي حدث أخيراً في اقتصادات دول متقدمة، - بأزماته المالية في وقت قريب، تشير إلى استمرار معدل مرتفع للبطالة حتى نهاية 2011 على رغم تحول النمو في توظيف العمال إلى معدل موجب في اقتصادات متقدمة كثيرة هذه السنة. ونظراً إلى احتمال أن تمتد البطالة المرتفعة القصيرة الأجل إلى المدى المتوسط، فإن مكافحة البطالة تشكل تحدياً أساسياً أمام السياسات. ولا تزال الروافع النمطية للسياسة الاقتصادية الكلية - أي السياسة النقدية وسياسة المالية العامة - الأدوات الأساسية لدعم توظيف العمالة عن طريق تأثيرها على النشاط الاقتصادي. وتتعين معالجة الخلل في القطاع المالي أيضاً، نظراً إلى شدة اعتماد القطاعات الكثيفة العمال على الائتمان المصرفي. ويتحدّث التقرير عن وجود سياسات محددة لسوق العمل يمكن أن تساعد في خفض البطالة. ويحلل تقرير صندوق النقد تجربة البلدان التي تحولت عن فوائض الحسابات الجارية الكبيرة والمستمرة باتباع سياسات لهذا الغرض. وينظر في 28 حالة تحوّل عن فوائض الحسابات الجارية اجتازتها اقتصادات متقدمة وأسواق صاعدة على مدار الخمسين عاماً الماضية. ويستخدم التقريرُ التحليلَ الإحصائي ودرس الحالة المتعمقة في بحث انعكاسات هذه التحولات على النمو وتوظيف العمال ويحدد العوامل الأساسية التي تفسر وجود تباين كبير في نتائج النمو. وتحدث أيضاً عن تراجع كبير في فوائض الحسابات الجارية تأثراً بتغيير السياسات. وعلى رغم أن ارتفاع أسعار الصرف ساهم بدور في غالب الأحوال، فإن السياسات الأخرى سهّلت هذه التحولات أيضاً، ومنها السياسات الاقتصادية الكلية التي نشّطت الطلب المحلي، والإصلاحات الهيكلية في بعض الحالات. وكان تراجع فائض الحساب الجاري في حالات التحول المدفوع بالسياسات بمثابة انعكاس للهبوط الملحوظ في المدخرات والارتفاع الحاد في الاستثمارات. وعلى رغم أن ارتفاع سعر الصرف كان سمة مشتركة في تحولات الفائض، فإن تجاوز سعر الصرف التوازني الطويل الأجل نادراً ما حدث. وفي متوسط الحالات، لم تكن تحولات الفائض مرتبطة بتراجع في نمو الناتج أو انخفاض في توظيف العمال. وكان نمو الناتج في السنوات الثلاث التي أعقبت بداية التحول، أعلى في المتوسط مما في السنوات الثلاث السابقة بنسبة 0.4 نقطة مئوية، وإن لم يكن هذا التغير مختلفاً في دلالته الإحصائية عن الصفر. وكثيراً ما انتقل الطلب من مصادر خارجية إلى محلية، مع ازدياد الاستهلاك والاستثمار ليصبح موازناً للهبوط الذي شهدته الصادرات الصافية. وإلى ذلك حدث ارتفاع طفيف في مستوى توظيف العمال، فارتفع معدل توظيف العمال في قطاع السلع غير التجارية ليوازن الهبوط الذي سجله في قطاع السلع التجارية ويتجاوزه. لكن وراء هذا التغير غير الملموس في النمو المتوسط مجموعة من نتائج النمو التي يمكن تفسيرها بعوامل كثيرة. وأخيراً، ثمة درس تحذيري يستلهمه تقرير الصندوق من حالات التحول السابقة، وهو أن السياسات الاقتصادية الكلية يمكن أن تغذي التضخم وطفرات أسعار الأصول إذا كانت مفرطة في التوسع واستمر تطبيقها لمدة مبالغ فيها لمواجهة تأثير الارتفاع في سعر العملة.