لم أعلم أن لمفهوم رأس المال الاجتماعي بعداً أعمق عدا عن كونه الاستفادة من العلاقات الاجتماعية للحصول على فرص أفضل وللتطور الوظيفي، لم أعتقد أنه مفهوم شامل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتنمية المجتمع وترابط أفراده وتوحيد جهودهم لما فيه المصلحة العامة، قبل أن أتعمق في مدى شمولية وعمق تأثير هذا المفهوم على المستوى الشخصي وعلى مستوى المؤسسات والمجتمع. ظهور هذا المفهوم في الأدبيات الغريبة كفكرة قديمة للغاية، ولكن ظهوره كمصطلح كان في عام 1916 وبدأ في الانتشار في دراسات العديد من الباحثين في علم الاجتماع والسياسة حتى أصبحت من أعظم النظريات التي تفسر العلاقات والتبادل الاجتماعي على الإطلاق، نشأتها وأهميتها في الدول الغربية مفهومة في ظل الرأسمالية الجشعة التي تهدف لتنمية المجتمعات وتطويرها عن طريق المنافسة المحتدة بين مؤسسات لا ترى إلا الربح غاية أسمى من جميع الغايات الأخرى، بيئة قاسية كهذه لها تأثيرها العميق على الفرد وثقته بالفرد الآخر داخل المنظومة الاجتماعية. العظيم في النظريات الغربية بالعموم هو عدم توقفها عن التطور والتداخل والتوسع، فلهذه النظرية مساران رئيسان؛ يسعى المسار الأول فيها لمحاولة فهم الفرد وكيفية تفاعله داخل شبكته الاجتماعية، أما المسار الآخر فهو أكثر شمولية ويهدف لفهم ماهية العوامل الداخلية التي تجعل الأفراد داخل المجموعة الاجتماعية مترابطين، وتدفعهم للتعاون مع بعضهم البعض لخدمة المصلحة العامة. هناك العديد من العوامل الرئيسية التي يراها الباحثون محركاً أو مصدراً لتكوين رأس المال الاجتماعي مثل العادات الاجتماعية، مستوى الثقة بين الأفراد بين المجتمع، والعقوبات غير الرسمية التي تتكون في المجتمعات كنوع لردع الأفعال غير المقبولة داخل المجتمع، تختلف هذه العقوبات في حدتها من الإقصاء التام إلى تشويه السمعة وغيرها من العقوبات. المجتمعات الغربية يغلب عليها طابع الفردية والاستقلالية ونقص أو عدم وجود الروابط الاجتماعية بين أفرادها، ولذلك تجدهم يبحثون عن مزيد من الترابط من خلال توفير مؤسسات مدنية على مستوى الأحياء والمدن في مختلف الأنشطة؛ لتعزز انتماء الفرد وإحساسه بالمجتمع. تجد النقيض من ذلك في المجتمع السعودي، فالروابط موجودة والتفاعل الاجتماعي موجود، والمجتمع إلى حد ما يهتم الفرد فيه بالفرد الآخر في بيئة الأسرة والحي والعمل، ولكن للأسف هناك خلل وتعارض في المصالح، فنجد الموظف يقدم مصلحة قريبه على مصلحة العمل، كما أن الأفراد يهتمون بمصالحهم الشخصية ومصالح الأشخاص الذين ينتمون لنفس الفئة الاجتماعية، فبدلاً من أن نستفيد من العادات الاجتماعية التي تعزز خدمة الآخرين ونوجهها تجاه تحقيق وتعزيز المصلحة العامة وتطور المجتمع، أدت هذه العادات إلى الإخلال بمستوى العدالة وفقدان الثقة بالنظام والمؤسسات؛ بسبب أن كل المصالح أولى ماعدا المصلحة العامة. لابد أن تأتي المصلحة العامة أولاً على المستوى الاجتماعي، ومصلحة العمل أولاً على المستوى الإداري حتى نستفيد من مثل هذا الترابط الذي تبحث عنه المجتمعات الغربية بيأس وحرقة. Your browser does not support the video tag.