غالباً ما يجد الكاتب الصحفي نفسه متيبساً أمام شاشة جهازه، يتسوّل القدر فكرة مدهشة بعد أن اكتشف أن فكرته التي تخمرت بذهنه، قد أشبعها الزملاء الذين يسبقونه في يوم النشر شرحاً وتحليلاً، فيعضّ (براطم) الندم على الساعات التي قضاها بحثاً عن معلومة، وتلك المفردات الناعمة المواربة التي تهادن ذائقة الرقيب، ويشعر بالخيبة على الكلمات الجميلة التي نثرها على مسمع أحد الثقلاء مدحاً مطرزاً بالثناء كي يظفر بمعلومة عادية أصرّ صاحب الشأن على التحفظ عن قولها، ليشعرك أنه مسؤول عن أسرار مهمة لا تقال لعامة الناس، عندها يشعر الكاتب بشعور ذلك الأعرابي الذي وقف منشداً قصيدة عصماء أمام أحد الولاة طمعاً بمكافأة مجزية، لكن الوالي لم يعطه شيئاً، وزاد على ذلك بأن سأله ساخراً (حشفاً وسوء كيلة) سأله: ما بال فمك معوجاً؟ فرد الشاعر الأعرابي: لعلها عقوبة من الله لكثرة الثناء بالباطل على الناس! كان السائد في مثل هذه الحالة أن تبحث عن مقال قديم عن الجامعة العربية -مثلاً- وتعيد نشره، وميزة مثل هذا المقال أنه لا يحتاج لتعديل أو مراجعة، فالجامعة العربية مثال جيد للثبات على المبدأ، فطوال هذه العقود لم يتغير بها شيئ، وظلت محافظة على سلبياتها، كما هي محافظة على إيجابيتها (إن وُجدت)، ولو أعدت نشر مقال قديم كتبته عنها سيكون جديداً حتى لو أخطأت باسم أمين الجامعة فإن القارئ لن يلحظ ذلك، هذا إذا أحسنا الظنون وقلنا إن القارئ سيقرأ موضوعاً عن الجامعة العربية، ربما أثناء قراءة مقال قديم تداهمك فكرة مشاغبة على هيئة سؤال يستفزك: لماذا سميت (جامعة) رغم أن أعضاءها مثال للفرقة؟، ولماذا لم تكن (ثانوية) مثلاً ليفتح المسمى باباً محتملاً لأن تتطور؟ أما إذا أردت موضوعاً جديداً وفي متناول اليد ولا يغضب أحداً، فما عليك سوى قراءة عناوين الصحف، وستجدك تلتقط عنواناً عن (تدشين مسؤول لوضع اللبنة الأولى لمشروع..)، وبعدها أطلق العنان لخيل خيالك، وتكلم عن النهضة التنموية الاقتصادية والفنية (الأخيرة لغرض السجع فقط) والعائد المدهش لهذا الموضوع، لكن احرص ألا يشطح خيالك وتحاول تفكيك رمزية المقص وهو يلتهم الشريط الناعم، وحذّر المواطنين من محاولة عرقلة هذا المشروع الحيوي والمهم، ولا تخف من أن يسأل المواطن عن علاقته بالعرقلة، لأن هذا الموضوع لن يقرأه أصلاً إلا صاحب السعادة (المُدشن)، وهذه المواضيع أو الأفكار المسالمة إن اعتدت عليها ككاتب فإنك ستحظى باحترام الرقيب والمسؤول معاً، أما القارئ الكريم (غالباً الكتّاب يضيفون صفة الكريم للقارئ كرشوة مقابل التسامح مع ما يكتب)، وفي النهاية القارئ ليس مهماً فهو لن يُجيز مقالك للنشر، ولن يدفع قيمة إعلانه! Your browser does not support the video tag.