قبل أسبوعين من رحيل حسن السبع، اتصل إلى أحد أصدقائه وطلب منه الحضور إلى بيته لأخذ مخطوط كتاب مهيأ للنشر: صدر الكتاب ولكن في حفل تأبين الأديب الكبير، هذا الحفل الذي أقيم بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، وجاء مغايرا، في اقترابه بشخصية حسن السبع الحداثية. إذ لم تعرف كل احتفالات التأبين السابقة في المشهد الثقافي المحلي، أن يستنفر الفنانون الأدباء بهذا الشكل. فمن تقديم فن "الفيديو آرت" إلى قراءة النقد والشعر مرورا بمعرض تشكيلي وفوتوغرافي وعرض مسرحي وفيلم وثائقي وغناء قصيدتين من شعر السبع وصولا إلى إصدار الكتاب الفكري والثقافي الأخير عن دار مسعى تحت عنوان:"كل الطرق تؤدي إلى المزرعة" في 158 ص من القطع الصغير الوسط. الكتاب الذي احتوى تسعة عشر مقالاً فكريا وثقافيا (لم تنشر من قبل) صور فيها المؤلف الحيز الجغرافي الذي يحتله العالم العربي بالمزرعة التي هي العالم. محللاً الحالة التي تعيشها البلدان العربية خلال الخمس عقود الأخيرة، والتي عايشها المؤلف الراحل وتفاعل معها طول تلك السنوات. مسلطا الضوء على مشكلات العقل العربي (داخل المزرعة)، بلغة واضحة، مستندا على ثقافة أدبية وتراثية موسوعية، مستشهدا بأمثلة من التراثين والتاريخين العربي القديم والأوربي الحديث، ما يؤكد القيمة التي تحملها مقالات حسن السبع. خصوصا وأن أسلوب السبع في فن كتابة المقالة الصحافية والثقافية يستحق التوقف. أولا على مستوى إيقاع الكتابة، حيث نلاحظ براعة صاحب "بوصلة الحب والدهشة" في تشكيل مقالاته بسلاسة السهل الممتنع. وثانيا، الاستعانة بمعين ثقافي عميق، يضرب في جذور الثقافة العربية العالمية. فهو لا يتردد بأن يعود لموقف الحارث بن عباد قبيل حرب البسوس، ليكشف الموقف الأخلاقي فيه، كما يستشهد بسيوران الذي يفتتح ويغلق معه الكتاب. ففي مقال: "المثقف وفوضى المزرعة" يقول الأديب السعودي الراحل: "مع وجود الفجوة الفكرية الفاصلة بين النخبة والجماهير أصبح تأثير المشعوذ وبائع الوهم أقوى من تأثير المفكر. كما أصبح الخطاب الإنشائي الذي يجاري المزاج العام ويخطب ودّ العامة أقوى من تأثير الثقافة المعنية بطرح الأسئلة، لذلك استطاع الأوصياء على الفكر اختطاف المجتمع بأسره". ويشير السبع إلى أن الانحدار يبدأ عندما يحاول المثقف أن يلعب دورا سياسيا؟، ساخرا من بعض المثقفين الذين أغرتهم شبكات التواصل والإعلام ليقوموا بأدوار ليس لهم. أخيرا يمكن القول: إن " كل الطرق تؤدي إلى المزرعة" وما يتضمنه من شحنة فكرية عالية وثقافية ناقدة للوضع العربي، هو كتاب أشبه بوصية ثقافية تركها إلى ما بعد الرحيل، أو كلمة حسن السبع الأخيرة التي قالها قبل أن يمضي، خصوصا وأن الكتاب هو مقالات داخل إطار واحد يتناول فكرة "المزرعة" العربية.