الأسواق المالية المتقدمة تعيش دوماً في مرحلة تحد لتطوير أنظمتها ومواجهة كل الثغرات التي قد تفتح باباً للغش والتدليس والتحايل في تعاملات الأوراق المالية، وسعى بعضها ومنها الأسواق الأميركية إلى الاستفادة من الانهيارات التي خلفتها الأنظمة السابقة والى منع الفجوات التي ينفذ منها كل مدلس أو محتال. أربط ما سبق، بما صدر الأحد الماضي عن "تداول" من قرار يتعلق بأنها تعتزم تعديل طريقة قبول أوامر الشراء أو البيع خارج نطاق التذبذب اليومي اعتبارا من 21 يناير 2018م والاحتفاظ بهذه الأوامر داخل سجل الأوامر دون تنفيذها حتى وصول سعر السهم للأمر المدخل، موضحة أن تعديل قبول الأوامر خارج نطاق حدود التذبذب اليومي وأنه لن يحدث أي تغيير على حدوده. الحقيقة أن أوامر مماثلة موجودة في الأسواق المتقدمة وهي ما تعرف بأوامر ال GTC أو (good till canceled) ومدتها ستة أشهر منذ يوم الإدخال حتى التنفيذ، أو حتى تاريخ محدد بالإلغاء ولكنها كلها وفق نسبة تذبذب مفتوحة، وأريد هنا أن أحسن الظن بمن أصدر مثل هذا القرار، ولعله كان يريد أن يتمم به شرط صلاحية الأمر المدخل للسوق وتحسينه، لأن الأمر الموجود حالياً تتنوع مدة صلاحيته بين صلاحية حتى تاريخ محدد، وصلاحية لمدة أسبوع، وصلاحية لمدة شهر، وحالياً وحسب ما أسمع من مستثمرين أن من يريد أن يدخل سعراً وفق تلك الصلاحيات الزمنية وأعلى من الأسعار الحالية التي تتجاوز نسبة التذبذب يصعب عليه إدخال أمره. ما يخشاه كل مستثمر من ذلك القرار، هو أن يكون له جانب سلبي، وأن يستغل من ضعاف النفوس وتكون نقطة ضعيفة لفتحة تنفذ منها الممارسات غير سليمة وغير العادلة والتلاعب بأسعار الأسهم، وذلك عبر إيجاد انطباع مضلل لسعر مستقبلي للسهم أعلى من قيمته الحالية حتى لو لم ينفذ إلا بعد أسبوع أو شهر، وربما يلغيه من أدخله بعد أن يبيع ما لديه وينفذ ما كان يبتغيه من أهداف. في سوقنا المالية نجد أن هناك سعياً حثيثاً إلى التصدي لأي ثغرة قد تفتح المجال للتأويلات المتعلقة بسعر السهم المستقبلي، ومن ضمن ما اقتضته المادة الخامسة في فقرتها الرابعة من نظام السوق المالية أن تقوم الهيئة بحماية المواطنين والمستثمرين من الممارسات غير العادلة أو غير السليمة أو التي تنطوي على احتيال أو غش أو تدليس أو تلاعب. ما أرجوه هو أن يكون لذلك التعديل معايير صارمة لا ينفذ منها التضليل ويستغلها المتلاعبون.