تتطور صناعة الغاز المسال بسرعة مدهشة بسبب الإقبال على الغاز كمصدر مثالي لتوليد الكهرباء فلقد ارتفع عدد الدول المستوردة له من 10 دول فقط فى 2000 إلى 35 دولة فى 2016. وكذلك شهد إنتاج العالم له قفزات كبيرة إذ أنتج العالم فى 1996 حوالي 60 مليون طن ثم ارتفع الإنتاج فى 2006 إلى 160 مليون طن وفي 2016 وصل الإنتاج إلى حوالي 260 مليون طن. ويوجد حاليا مشاريع هائلة تحت التشييد بطاقة تصل طاقتها إلى حوالي 114 مليون طن منها 58 مليون طن بأمريكا لوحدها و30 مليون طن باستراليا. وأما روسيا فتشهد أيضا قفزات بإنتاج الغاز المسال لتلحق بركب الدول المنتجة. ولقد تم مؤخرا افتتاح مشروع يامال الروسي لإنتاج الغاز المسال وتعتبر روسيا حاليا اكبر مصدر للغاز الطبيعي بالعالم عبر الأنابيب ولكنها لا تملك إلا حوالى 4 % من إنتاج الغاز المسال بالعالم ولذلك تعتبر متأخرة نوعا ما بهذا المجال وسينتج مشروع يامال فى 2019 نحو 16.5 مليون طن. حاليا تنتج روسيا 11 مليون طن بدون مشروع يامال وبهذا سيساهم مشروع يامال برفع إنتاج روسيا من الغاز المسال بعد سنتين إلى 27.5 مليون طن. والجدير بالذكر أن هذا المشروع العملاق تملك منه شركة نوفاتك الروسية 50.1 % مقابل 20 % لشركة البترول الصينية و20 % لشركة توتال الفرنسية و9,9 % لصندوق التمويل الصيني لطريق الحرير. وعلى الجهة الأخرى من العالم تقوم أمريكا بجهود هائلة لتحويل الغاز الصخري إلى غاز مسال بغية تصديره والانتفاع من الفارق الكبير بسعر الغاز بين أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا. وأما أستراليا فستصبح أكبر دولة مصدرة للغاز المسال فور الانتهاء من تشييد مشاريع الغاز المسال. باختصار شديد يشهد العالم نموا كبيرا بإنتاج الغاز المسال يفوق الطلب وهذا ما تسبب بتعطيل بعض المشاريع الجديدة بأمريكا بسبب الخوف من عدم جدواها الاقتصادى. وفى المقابل يبدو المشهد غير واضح بالنسبة للطلب العالمي على الغاز المسال فعلى سبيل المثال تعتبر اليابان أكبر دول بالعالم باستيراد الغاز المسال. ولقد استوردت فى 2014 نحو 89 مليون طن يعني حوالى 40 % من إنتاج الغاز المسال آنذاك. ويستخدم الغاز المسال باليابان لتوليد الكهرباء وارتفع الاستهلاك بسبب توقيف المفاعلات النووية عقب كارثة فوكوشيما. ولكن بدأت اليابان حاليا بتشغيل المفاعلات النووية واستطاعت ان تتخطى فوكوشيما برفع مستويات السلامة. ولهذا سينخفض استهلاك اليابان فى 2018 إلى 81 مليون طن. وربما ينخفض فى 2020 إلى أقل من 80 مليون طن بسبب التقدم الياباني السريع بالاعتماد على الطاقة المتجددة بتوليد الكهرباء. وفى نفس السياق خفضت أوروبا من استهلاكها للغاز ب 10 % فى آخر 10 سنوات بسبب تقدم الطاقة المتجددة. وفى الشرق الأوسط ظهرت مصر كأكبر دولة باستيراد الغاز المسال فلقد استوردت 7.3 ملايين طن غاز مسال فى 2016. ولكن مع بدء إنتاج الغاز من حقل ظهر المصري العملاق بشرق البحر المتوسط ستتخلى مصر عن استيراد الغاز المسال بالأسعار المرتفعة وستكتفى بإنتاجها المحلي وستختفي تماما من خارطة الدول المستوردة. لاشك أن الغاز مصدر مثالي لتوليد الكهرباء بسبب قلة الانبعاثات الكربونية الصادرة عن حرقه مقارنة بالفحم أو النفط. ولذلك تتجه الصينوأمريكا لاستبدال محطات توليد الكهرباء التي تحرق الفحم إلى الغاز. وهذا ما جعل الصين تتقدم لتصبح أحد أكبر مستوردي الغاز المسال بالعالم وتستحوذ على ربع النمو باستيراد الغاز المسال. ولكن نمو اعتماد الصين على الطاقة المتجددة والنووية أكبر بكثير من نمو اعتمادها على الغاز المسال. وكذلك تعتبر دول الشرق الاوسط من الدول المرشحة لزيادة الاعتماد على الغاز المسال بتوليد الكهرباء. ولكن وبالمقابل تواجه صناعة الغاز المسال عدة تحديات تعد الأكبر منذ بدايتها وأهمها: * الزيادة الكبيرة بإنتاج روسياوأمريكا واستراليا وكندا. * انخفاض كلفة إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة. * ربط الصين بخط أنابيب لاستيراد الغاز من روسيا. * التنافس الكبير المتوقع بين كل من روسياوأمريكا على الأسواق الجديدة. * احتمال انخفاض كبير بالأسعار وفى الختام يبدو واضحا أن أسعار الغاز المسال معرضة للانخفاض بالمستقبل القريب ويمكن أن يكون هذا الوضع فرصة ثمينة للمملكة للتخلي عن حرق النفط الخام وإلى الأبد. وفي المملكة يتم إنتاج 51 % من الكهرباء بواسطة وقود الغاز الطبيعي المنتج محليا و24 % من النفط الخام والباقى من زيت الوقود والديزل. ولذلك إذا ارادت المملكة رفع نسبة الغاز الطبيعي إلى 70 % ربما يكون الأفضل إحلال الغاز مكان النفط الخام الذى يمكن الاستفادة منه بشكل أفضل. وذكرت بعض التقارير العالمية أن المملكة ربما تحتاج لحوالي 12 مليون طن غاز مسال سنويا. والجدير بالذكر أنه في 2017 تم حرق حوالي 23 مليون طن نفط خام لتوليد حوالي ربع كهرباء المملكة. وبما أن كفاءة الغاز فى توليد الكهرباء أعلى من النفط فإنه يمكن استبدال هذه الكمية الثمينة من النفط بحوالي 18 مليون طن غاز مسال (على أساس المحتوى الحرارى) تصل بالسفن إلى موانئ خاصة تقام على البحر الأحمر وبدون الحاجة إلى الأنابيب. الجدير بالذكر أن معدل السعر العالمي لطن نفط العربي الثقيل في 2017 حوالي 365 دولارا ومعدل سعر طن الغاز المسال من الأسواق الفورية حوالي 360 دولارا، وربما يشهد المستقبل ارتفاعات بأسعار النفط وانخفاضا بأسعار الغاز المسال وبذلك يكون استبدال النفط الخام بالغاز المسال أفضل بيئيا واقتصاديا. * مركز التميز البحثي للتكرير والبتروكيماويات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن