في هذا المقال لستُ بصدد المقارنة بين التعليم في الماضي والتعليم حالياً، مع أننا جميعاً ندرك الفارق الهائل في جدية التعليم وفي هيبة المعلم الذي كاد أن يكون رسولاً ولكنه ليس كذلك حالياً، بل إن الكثير من ظواهر الاعتداء على المعلمين والاستخفاف بهم أصبحت أخباراً مألوفة في الكثير من بلداننا العربية. أحاولُ أن أبيّن للجميع أن أعمدة التعليم الثلاثة وهي المدرسة والتلميذ والعلم لم تصبح كافية وستبقى ناقصة مالم يضف إليها البيت والمنهج. إن الزيادة المضطردة في عدد الجامعات والمعاهد العالية أو المتوسطة والتي تنتج عدداً هائلاً من الخريجين في مختلف المجالات، ليست مقياساً للحكم. إن التعليم أصبح متطوراً لدينا بل إن المقياس الحقيقي بناء على الكثير من الدراسات العلمية هو النوع والمستوى وليس العدد. إن فلسفة التلقين بدون تحفيز العقل الذي تقوم عليها معظم صروحنا التعليمية حالياً تؤدي إلى نتائج خطيرة جداً على مجتمعاتنا العربية لأنها في الكثير من الأحيان تنتج لنا أشخاصاً يحملون ثقافة قليلة الدسم بل تكاد تكون منزوعة الدسم بالكامل لأننا لم نتبع أسس الثورة العلمية الحقيقية في العالم المتقدم والذي يعتمد بشكل كبير على تحفيز العقل في البحث وطرح الأسئلة واستنباط الاستنتاجات للوصول إلى الإجابات، لذلك نرى أن بعض النظم التعليمية في العالم المتقدم علمياً تسمح للطالب أن يصطحب الكتاب المقرر في وقت الامتحان لأن الأسئلة تعتمد على التأمل والاستنتاج ولا تعتمد على الحفظ! قبل عقود قليلة، كان عالمنا العربي يعاني جداً من عدم توفر الكثير من عناصر تطور التعليم، ومع ذلك فقد أنتج مثقفون وعلماء كان لهم فضل الريادة في الكثير من المجالات. أما الآن فقد أصبحت عناصر التعليم متوفرة بشكل كبير ولكننا نفتقد لمثل هؤلاء المثقفين. لسنا بحاجة الى التعليم بالتلقين كي نحقق أرقاماً عالية في عدد الخريجين ولكننا نحتاج إلى مراجعة أساليب التعليم لدينا وتحفيز العقل والمنطق كي ننتج مجتمعاً مثقفاً واعياً.