كثيرة هي المحرمات في حياتنا وكثيرون من ينتهكونها بسهولة من دون تأنيب ضمير لأن المسلّمات أصبحت موضوعًا للاجتهاد الشخصي والفتاوى الجاهلة. والمحرمات ليست مقصورة على القضايا الدينية، أو المُثُل والقيم والمبادئ، بل تتعداها إلى القضايا المصيرية مثل الولاء للوطن وحرمة المال العام. في عالمنا اليوم، أصبحت الوطنية والخيانة تخضعان لوجهات النظر وليس لمنظومة أخلاقية أو دينية أو حتى قانونية. هذه المقدمة قد تنسحب على معظم دول العالم، إن لم نقل كلها، وبالتأكيد إننا لسنا استثناء في ذلك. لكن ما يحدث هو أن الناس وحتى المسؤولين في هذه الدول ظلوا ولا يزالون يتحدثون عن الفساد، وبخاصة الفساد المالي، ويشتكون منه من دون أن يحددوه أو يشيروا إلى المتورطين فيه وكأنه شبح لا يمكن الإمساك به. الفساد الأخلاقي قد يهون أمام الفساد المالي لأن الأول قد يكون شخصيًا ويمكن القضاء عليه، لكن الثاني هو الأخطر لأنه يأخذ أشكالاً عديدة وتحت مسميات شتى ويهدد الوطن والنسيج الاجتماعي. الأخطر من ذلك هو أن هذا الفساد ينتشر من القمة إلى القاعدة، مثلما قال سمو ولي العهد في مقابلته الأخيرة. وعندما يصبح الفساد ثقافة، وعندما لا ينبري أحد لوقفه، يصبح مؤسسة تنخر في جسد الأمة وقد لا تقوى حتى الحكومات على مواجهتها. لهذا نرى دولاً توشك على الإفلاس لأنها تحاول محاربة الفساد وتشكّل هيئات رسمية لهذه الغاية لكنها عندما تمسك بالأسماك الكبيرة يأتي من يطلقها ويعيدها لممارسة سباحتها في بحر الفساد. هذا الذي يحمي الفساد قد يكون على رأس السلطة، فقد كشفت تقارير منظمة الشفافية أن رؤساء كثير من الدول سرقوا بلدانهم وشعوبهم التي تعاني من الجوع والفقر. وعندما يفسد الرأس يفسد الجسم كله لأن حتى الموظفين الصغار يدّعون لأنفسهم هذا الحق، وتجد في بعض الدول سباقًا على الوظائف التي تقدّم خدمات لأن الراتب لا يهم، بل المهم كم المبالغ التي يجنيها هذا الموظف غير النزيه من الرشاوى والسرقات واستغلال المواطنين.. ليس عيبًا أو حرامًا أن تكون غنيًا من خلال الكسب الحلال، لكن العيب والحرام هو أن يكون الكسب على حساب الوطن والمواطن وكرامته. سمو ولي العهد قال: إن الفساد كان يسلب الدولة 10 % من دخلها كل عام ولك أن تتصور حجم "الأموال المنهوبة"، كما وصفها سموّه، التي أخذها هؤلاء بغير وجه حق. الخطوة الشجاعة والنزيهة بكل المقاييس التي اتخذها سموّه هي ثأر للوطن واسترداد للحق العام المسلوب ودرس للفاسدين والمفسدين الآخرين لكي يتحسسوا رؤوسهم!.