اطلعنا مؤخراً على القرارات الحكيمة التي رسمت توجه قيادة المملكة في مكافحة الفساد، غير أن هناك أنواعاً أخرى من الفساد غير الإداري والمالي ويشارك فيها تقريباً جزء كبير من المجتمع السعودي. ظاهرة هدر الغذاء تتزايد عالمياً؛ حيث يهدر سنوياً ما لا يقل عن 1،3 مليار طن من الغذاء، أي ثلث الإنتاج العالمي، هذه الكمية تعتبر أربعة أضعاف الكمية اللازمة لتغذية حوالي 795 مليون شخص يعانون من المجاعة حول العالم، على الصعيد الآخر نجد أن الوعي تجاه هذه المشكلة في ازدياد؛ متناغماً مع زيادة أعداد الجمعيات والمنظمات الهادفة إلى تقليل هذا الهدر. فعلى سبيل المثال، تقوم فرنسا بدور لا مثيل له في مجال التقليل من النفايات الغذائية، جاء ذلك إثر صدور تقرير عن مؤشر استدامة الغذاء في العالم والصادر من مؤسسة مركز Barilla لأبحاث الغذاء والتغذية والمتخذة من ميلان في إيطاليا مقراً لها. جاء في هذا التقرير تربع فرنسا في المركز الأول تليها اليابان وكندا من حيث المؤشر الجديد والذي يقيس استدامة الغذاء والتغذية في 25 دولة في أنحاء العالم والتي تمثل ثلثي سكان العالم و85٪ من الناتج الإجمالي العالمي، هذه الدول الثلاث حققت أفضل النتائج من حيث إنتاج وتوزيع واستهلاك الغذاء، بالإضافة إلى تطبيق أفضل الممارسات في المجال الزراعي والتي من شأنها تحقيق أعلى مستويات الاستدامة حيث تم تقليل المخلفات الغذائية والحد من هدر الغذاء، كما روعي أيضاً الجانب الأهم وهو التوازن في الاستهلاك لدى الأفراد والذي من شأنه الحفاظ على الصحة العامة. في المقابل نجد أن المملكة قد حققت أعلى مستويات هدر للغذاء بواقع 427 كلجم للشخص الواحد، تليها بالترتيب أندونيسيا ب 300 كلجم، ثم الولاياتالمتحدة الأميركية ب 277، والإمارات العربية المتحدة ب 196 كلجم للشخص. هدر الغذاء يحصل بشكل كبير من قبل محلات التجزئة وعلى مستوى الأفراد، وقد ينتج هذا الهدر من خلال الفقد الناتج في المزرعة بسبب سوء الممارسات الزراعية، أو الفقد قبل عمليات التسويق، أو بسبب الجفاف أو سوء النقل والتخزين. ما نعانيه حالياً من هدر للغذاء في المملكة هو نتاج عادات وتقاليد أخذت منحىً آخر، فنجد في المناسبات كمية الولائم التي لا تتناسب مع عدد الأشخاص المدعوين، حيث إن هذه الزيادة نتجت عن إرث لدينا مفاده: الزود ولا النقص.. والخسائر الفادحة في هذا الصدد هي حوالي 15 ألف طن. من الحلول لهذه الظاهرة المتزايدة فرض ضريبة على هدر الغذاء، وإلزام تجار التجزئة بالمساهمة في تقديم المعلبات للجمعيات الخيرية، والتركيز على جانب التوعية المهم من خلال عدة برامج تستهدف كافة أطياف المجتمع، وكذلك الأخذ بأحد الحلول المهمة التي قامت بتبنيها الدول الرائدة في هذا المجال وهو إضافة محتوى توعوي إلزامي في الصفوف الدراسية للحد من هدر الغذاء.