بهيئة عربية رثّة -بمقاييس الأناقة والأتيكيت- لم تروّضها عشر سنوات في أعرق جامعات العالَم، وبنزقٍ وتمرد ظاهر على القالب الذي تؤطره الذاكرة الجمعية للعالِم، يظهر دوماً مثيراً لما يراه الآخرون جدلاً، يحتج على ترك (الموصوف دون صفة) وحيداً كفزّاعةٍ في حقلٍ مهجور، ويُضيف: (جدلاً صحّي وضروري)، بأحلامٍ رحبة شاسعة ضاق بها صدر (الجامعة) وجد نفسه بين خيارين إما الرضوخ لضيق المنهج، أو التحليق برحابة العلم، فاختار الثانية كطائر حر عصيّ على الترويض، رغم إغراء (الملواح)، لم يرَ تناقضاً بين تسامح (الشفهية)، وبين حِدة وصرامة الباحث الأكاديمي الجاد، ولا يرى بأساً في أن ترقص (النظرية) في ليلة سمر بدو يصنعون من رمل النفود أُغنية على (طَرق المسحوب) توصلهم للسماء الثامنة، مثلما هي المخطوطات التي تتطلب نباهة بدوي يستطيع أن يقرأ جيداً اللحظة الفاتنة التي تلامس بها (أخفاف الناقة) صدر الصحراء ليولد منها (طَرق الهجيني) وطُرقه الموغل في الشجن والحنين، دربٌ طويل وشائك لكنه محفوف بالمتعة والعصف الذهني اللذيذ، تتقافز من الحكايات -كأرانب برية- الأعرف والأساطير، في (ثقافة العرب الأوائل)، تمتزج (العزاوي) برائحة البارود، لتشكل خيوطاً كثيرة متشابكة، مسارب كثيرة تؤدي كلها للمصبّ الكبير (ملحمة التطور البشري)، ومن (الثقافة التقليدية) حيث هَجْس أرواح الصحراء، حتى تدوين (تواريخ وأنساب محلية وقبيلة)، وليس هذا -فحسب- خراج سحائب بحوثه، بل إن أبجديته ممتدة كصحراء لا نهائية، ترى فيها قوافل الأوائل، وتسمع أناشيد رحيلهم وصليل سيوفهم، وتقرأ فيها أدبياتهم وأخلاقهم، ترى بين مؤلفاته شيخاً كوّر الدهر ظهره، ووسمت الصحراء وجهه بتضاريسها، ثم ينقلك إلى ملامح شيخ آخر غارقاً في طرق التأمل والفلسفة. الصويان المعتزّ بتراثه لدرجة تقترب كثيراً من الغرور يؤمن بعمق أن صورتنا يجب أن تصل للآخر كما هي، لا كما نحب أن تكون، يجب أن نصل كما نحن، يجب أن نثق أننا مختلفون عن غيرنا، اختلافنا هو ما يميزها وليس شبهنا بالآخرين، ولعل الصويان قدّم نفسه لنا كأنموذج، قال ما يؤمن به لا ما نريد سماعه، نحن نريد أن نصنع رمزنا (الشعبوي) وهذا ما يأنف منه ممن لا ينتظرنا أن نصنفه (عالماً)! فهيد العديم