علاء المكتوم، فهد البتيري، محمد بازيد، مالك بن نجر، بدر صالح، عمر حسين، وآخرون.. أيش اللي، لا يكثر، على الطاير، إرهاب الشوارع، الوقت الضايع، نشرة أخبار التاسعة إلاّ ربعًا.. وغيرها أمثلة عشوائية لمجموعة من الأسماء تتقافز كفراشات زاهية تمثل شريحة من واقع جديد نشهده، وتشكل في مجملها خطًّا واتجاهًا ورؤية وقالبًا جديدًا يصنع عالمًا مختلفًا.. القاسم المشترك بينها (استغلال المتاح من الوسائط لإيصال فكرة، ونقد واقع، واستعراض قضية ولفت النظر لمشكل قائم)، عبر لغة تتدثر ثوب البساطة في الطرح، وترتدي مشلح الجدية في المعالجة، وترحل بنا بعيدًا عن تلك القوالب الموغلة قي النمط والرتابة التي قد تفاقم المشكلات أكثر ممّا تعالجها. الوقت لا يزيد على دقائق معدودة تعرض لنا فلاشات تعتمد على الإيماض والمفارقة والسخرية المنضبطة، ولا تغفل الدقة في المعلومة.. استغلال الحريات التي أتاحتها التقنيات في إيصال رسالة والعمل على الوصول إلى أكبر شريحة بلغة تتناغم مع إيقاع العصر وروح ومزاج هذا الزمن.. هؤلاء شكلوا قمة جبل الجليد فيما الجبل لا يزال غير مرئي.. استطاع هؤلاء إجبارنا على أن نحترم من يتخلق بأخلاق زمنه، ومن يستغل وسائطه لمحاولة تغيير الواقع بلغة بسيطة ومفهومة ومؤثرة.. هذه التوجهات أنتجت خطابًا وشكلت ثقافة يسميها البعض جهلاً (ثقافة الظل)؛ رغم كونها تتشكل وتتخلق وتكتسح واقعنا وبجرأة. قدمت لنا هذه النماذج نتاجًا مختلفًا، وخلقت واقعًا جديدًا يثور بأدب جم على قوالب لم يعد لها أدنى تأثير. أطل علينا من يسمونهم (أباطرة السخرية، أساطين الإعلام، جهابذة النقد) بوجه مشرق وندي وفائر؛ لكنه منضبط ومتوازن ويحمل مسؤولية. لا أرى في حدود عالمنا العربي مشاريع كثيرة تمر عبر الميديا الحديثة وتفيد من ثورة الأنفوميديا لكننا نشهد نماذج سجلت حضورًا نفتخر به. الإيقاع الذي عزفه هؤلاء الشباب أجبر من حولهم على أن يتفاعلوا معهم لجدية الطرح وجاذبيته وصحته وسلامة توجهه وقوة تأثيره. أكبر دليل على أن هؤلاء قلبوا الصورة، وطرقوا الأبواب الموصدة أن وزارة الثقافة والإعلام أوجدت ضمن هيكلتها وكالة تعنى بالإعلام الجديد.. الاكتساح الكبير لواقعنا من قبل هذا النهج تؤكده لغة الأرقام (عدد المشاهدات لتلك القنوات والأفلام والمقاطع)، هؤلاء يعملون على تشكيل الغد بمقاييس الغد. سعدت أن وزير الثقافة والإعلام تنّبه لهذه الفورة وهذا الواقع، وكان لديه قدرة على فهم تلك اللغة فجاءت إذاعات مثل (ماكس وروتانا وألف ألف ويو أف أم)، بلغتها البسيطة وطرحها الجاد وبرامجها التي تناقش وتحاور وتساءل بلغة وإيقاع جديد. الجيل القادم مبهر وخلاق وقادر على صناعة التغيير وقيادته وضبط اتجاهه.. الزمن القادم سيكون صنيعة مثل هذه العقول القادرة على أن تستوعب الواقع وتروضه بأسلوبها. لنا الحق في أن نسجل هنا الإعجاب، وأن نفخر، وأن نرمق هؤلاء الفتية بعين إعجابنا لأنهم قدموا لأبنائنا ولجيلهم نموذجًا نعجز نحن عن تقديمه لهم. كأني بهؤلاء قد وقر في قلوبهم ووجدانهم القول الشهير لجبران خليل: «على قدر ما يغوص الحزن في أعماقكم، يزيد ما تستوعبونَ من فرح».. فهم غاصوا في واقع أحزان ما حولهم فزادت مساحة فرحنا بما يفعلون وفرحهم هم بما يقدمونه من عطاء المضمر في هذا التوجه (إن فيلما مدته دقائق كإرهاب الشوارع كان أبلغ أثرًا من عشرات الأسابيع الخليجية)، وأوضح لنا أن ملايين الريالات تهدر في طباعة بروشورات وكتيبات لا تقرأ، كما أن المخبوء في هذا التوجه والذي لا يعلنون عنه هؤلاء السدنة أنهم يرسمون لجيل كامل ما عجزت عن رسمه آلاف المدارس ومئات الآلاف من المعلمين والبرامج التربوية التي يصرف عليها ملايين الريال دون أن تثمر في خلق توجه وصناعة واقع أفضل، وهؤلاء عبر برامج في منتهى البساطة لا تتجاوز كاميرا ومتحدث، يعلمون الجيل قيمًا خالدة أبرزها أنهم يقدمون النموذج والمثال الحي في كيف لك أن تستفيد من المتاح لك من التقنيات في لتفريغ طاقاتك؟؟؟ ويعلمونهم كيفية الاستفادة من هامش الحرية الذي يوفره الإنترنت، وجعلها حرية مسؤولة ومنضبطة بإطار المجتمع الذي تنتمي إليه وتخاطبه؟؟ هم يفعلون ما تعجز عنه كثير من فضائياتنا التي ربما أنها لا تعي أنها تركز على المضمون السلبي في طرحها وتهدم مجتمعاتنا بسطحية طرحها عبر تلك البرامج التي لا تتجاوز في الغالب مجال التسلية والمسابقات فوق كونها مجرد نسخ لبرامج «أمريكية وفرنسية» وتحتوي على عدد من القيم الهدامة خاصة عندما تتناول قضايا الاستقلال والخصوصية كما أنها تقدم الشاب العربي الناجح على أنه الأكثر تشربًا للمبادئ الغربية والأكثر سطحية! أمّا هؤلاء الشبان فهم ينكبون على صفحات الجرائد وملتقيات الإنترنت الاجتماعية التي تمثل لهم مصدر انتقاء جيد لمواضيع الحلقات التي يعالجون من خلالها واقع هذا المكان، هؤلاء حملة رسالة وإيقونات عطاء.. هؤلاء يا سادة مكانهم يجب أن يكون على هرم الأمكنة التي تستحقهم لصناعة غد ومستقبل مجتمعاتهم، لأنهم من أمكنة الظل صنعوا الفارق، فكيف لو كانوا هم من يتسنم قيادة دفة مؤسساتنا التي تعاني بطء إيقاع مسؤوليها ؟؟؟ امنحوهم الفرصة وسيكون الوطن هو أكبر الرابحين.