لم يخطر ببالي هذا السؤال حتى بدأت بإخراج كتابي الأخير (جمعية الشعراء الأموات).. فرغم أنه يستعرض قصصاً ومواقف كتبتها خلال السبعة والعشرين عاماً السابقة، احترت فعلاً في طريقة تعريفها وتقديمها للقارئ.. فهي ليست قصصاً بالمعنى الأدبي الذي نتصوره حين نتحدث عن القصص القصيرة، وفي نفس الوقت ليست (حكايات) يتم سردها شفهياً أو تحاك فقط على سبيل التسلية... حين تفتح المراجع الأدبية تجد تعاريف كثيرة للقصة (أنواعها ومسمياتها والعناصر الأساسية فيها) ولكنك لا تكاد تجد من يفرق بينها وبين "الحكاية".. حين فتحت قاموس المنجد في اللغة والإعلام لم أجد أصلاً تعريفاً للحكاية يسمح بمقارنتها بالقصة.. وجدت فقط الفعل (حكى) الأمر الذي يجعل من كل ما يروى باللسان حكاية (سواء كانت قصة أم خبراً أم تجربة مررنا بها).. (المعجم المدرسي السوري) كان من الكتب القليلة التي فرقت بين الاثنتين.. فقد عرف الحكاية بأنها: «ما يحكى أو يقص حدثاً واقعاً أو متخيلاً» بينما عرف القصة: «بأنها حكاية طويلة، تسرد واقعة أو جملة وقائع، تستمد من الواقع أو الخيال، أو منهما معاً، وتبنى على قواعد معينة من الفن الأدبي» أيضاً حين فتحت معجم لونجمان وجدته يعرف الحكاية بأنها : «قصة قصيرة تقليدية، تعلم درساً أخلاقياً، وخاصة عن الحيوانات" بينما يعرِّف القصة بتعاريف مختلفة (تجاوزت 15 تعريفاً) من أكثرها وضوحاً وبساطة أن "القصة هي الحكاية".. ...وبعد البحث في الإنترنت؛ خرجت بآراء متضاربة أو غير مقنعة وعندها قررت ترك كل التعاريف والعودة إلى ذاتي وسؤال نفسي: ... ماذا أعني أنا حين أقول: "قصة" وماذا أعني حين أقول: "حكاية"؟ تذكرت جملة كنت أقولها كثيراً في طفولتي : "جدتي؛ احكيلي قصة".. أدركت فجأة أن الفرق يعتمد على موقفنا نحن من الحدث وطريقة سرد الحدث.. فالقصة تُحكى، والحكاية تروى.. الرواية الشفهية متراخية ولكن يمكن أن تتحول إلى قصة أدبية مكتوبة بإحكام.. القصة هي الحكاية بعد إعادة صياغتها وكتابتها واستثناء قائلها.. أحداث مترابطة ومحبوكة ترويها شخصيات القصة وحوارات الأبطال فيها (وليس الراوي أو الحكواتي).. قد يكتبها المؤلف ولكن خيال القارئ هو ما يشكلها ويرسم خلفية الأحداث فيها (لهذا السبب يتذوقها كل قارئ بطعم مختلف).. أما الحكاية فكلمة مشتقة من (حكى) والمقصود بها غالباً قصة تلقى بطريقة شفهية.. يلقيها الراوي بطعم موحد لا تسمح للمتلقين بإضافة خيالات مهمة عليها.. تعلو فيها طريقة السرد ويسيطر فيها أسلوب القائل لدرجة تخبو فيها شخصيات القصة وحوارات الأبطال ويصبح المكان شيئاً ثانوياً.. يلقيها "الحكواتي" بطريقة جذابة تأسر المستمعين حتى نهايتها - كما أسرت شهريار شهرزاد بحكايات لا تنتهي أجلت قتلها ليلة بعد أخرى... .. بصراحة، لم يعد معرفة الفرق يعنيني كثيراً كون الفرق بين القصة والحكاية كالفرق بين المنزل والدار، والحائط والجدار.. فوارق تعتمد على وظيفة البناء وطريقة نظرنا للمبنى ومغزى اختيارنا (نحن) لكلمة دون أخرى..