لا مفر من أن تجاور الموهبة الصوتية مهارة لحنية، تتغذى بالثقافة، والخبرة والممارسة، وما حدثت في الثقافة العربية إلا لنماذج معدودة، مثل محمد عبدالوهاب، وحليم الرومي، وفريد الأطرش، ومحمد فوزي، وسمير الوادي وأحمد قاسم وأبو بكر سالم وخالد الشيخ، وكاظم الساهر، وإنما جرت العادة الحسم لإحداهما، وقد قامت أغنيات طلال مداح على ألحانه، منذ 1959، ثم فسح مساحة لملحنين، أنجزوا قفزات نوعية مثل: سراج عمر، عقد السبعينيات، والموسيقار "طلال" عقد الثمانينيات، ولم يحجب صوته عن ملحنين سابقين ومجايلين ولاحقين، من الخليج إلى المحيط. ولم يكن مداح وحده في صيغة "المغني - الملحن"، فقد جايله كل من عمر كدرس، وغازي علي، وجميل محمود. وقد تباينت في ألحان مداح مرحلتين، الأولى طبعت أعماله الأولى، المتخذة من نموذج الغناء الطربي والشعبي، في صيغته الحجازية، وضع صيغتها الأولى طارق عبدالحكيم، واتخذت ملامح حيوية مع عبدالله محمد، وناعمة مع فوزي محسون، ثم انتقلت في مرحلة لاحقة في صورة تعبيرية ودرامية، مع سراج عمر، وسامي إحسان، ومداح نفسه. ولعله يمكن الجواب على سؤال هذه المقالة، عن سبب تلحين مداح لسواه، في سببين، الأول إنتاجي، لكونه شريك الإنتاج في شركة "رياض فون" "1964 -1970"، وتكليف من شركة "توزيعات الشرق"، وحدث في أغنيات عدة وضعها لمطربات عربيات شهيرات ومغمورات مثل: فايزة أحمد "فينك وفيني، يا بو الحبايب"، وهيام يونس "طائر البوينج"، وللسورية يسرى البدوية "يا حبيبي ليه هذا الجفا"، وللبنانية سلامة "يا أهل الهوا"، ووزع موسيقياً أغنية "قديمك نديمك" تلحين فوزي محسون، لهدى مداح. والسبب الثاني، استثمار شهرته، بوصفه داعم مواهب جديدة، حين وضع أغنيات أولى لحناجر عربية وسعودية، مثل: عبادي الجوهر في "يا غزال" 1968 و"يا حلاوة" 1969، وسميرة سعيد في "مشوار الحياة" 1977، والأردنية هالة هادي في "جاز الأمر" 1983 "من كلماته". وفي سابقة عائلية، فقد أسهم الأب ملحناً مع ابنيه في مجموعة "ناي" 1988 للابن الأصغر رأفت، ولحن الأب ثلاثة "كلما يا روحي "الشريف منصور"، الود ودي "ثريا قابل"، ناي "بدر بن عبدالمحسن"، ولحن البكر عبدالله "يا علي" "يسلم بن علي"، ولحن رأفت "جرح وأسى" "عبدالله مداح" و"يا بنت" "خالد الباعود". وذهبت تلك الأغنيات أدراج الرياح، فلم يبق سوى التي منحها لرجاء بلمليح "هكذا الدنيا تسامح" 1988، -على أنه أعاد التلحين لها في "عيني يا سهرانة" ولم توفق-. انتهى إلى حنجرة عظيمة أكبر من طاقة تلحينه لسواه..