نعت دراسة بحثية مهمة مشروع التغلغل الإيراني في القارة الأفريقية بعد أكثر من عشر سنوات سخرت فيها طهران كل إمكاناتها إزاء القارة السمراء بهدف تصدير المشروع الخميني ليسهل عليها تحقيق هدفها الأساسي وهو تطويق المنطقة العربية. وتعد قارة أفريقيا من أهم مناطق المواد الخام والموارد الطبيعية في العالم، لذلك تشهد صراعا وتنافسا محموما بين القوى الكبرى من أجل الوصول إلى هذه الثروات. لكن تغلغل إيران كعادتها دائما جاء لنشر الموت والدمار والخراب عبر إذكاء الصراعات في القارة، ونشر الطائفية، وضرب الوجود العربي هناك. وأكد الدكتور عمر يحيى أحمد أستاذ العلوم السياسية والإستراتيجية في جامعة الزعيم الأزهري بالسودان في دراسته التي أعدها حول التغلغل الإيراني في أفريقيا أن هذا التسلل بدأ منذ وصول نظام الملالي إلى السلطة في العام 1979. وتناولت الدراسة تفاصيل هذا التغلغل من حيث التطور التاريخي وأهدافه وآلياته وأثره على الأمن القومي العربي، وأكدت أن هدف إيران منه هو محاصرة الدول العربية وضرب أمنها القومي عبر تأجيج بؤر الصراع من باب أن الأمن القومي العربي منظومة ممتدة تتأثر بالمحيط الإقليمي والدولي. وترى الدراسة أن محاولة إيران توسيع وجودها في أفريقيا يهدف أيضاً إلى امتلاك أوراق جديدة سياسياً ودينيا وثقافياً واقتصادياً لما للقارة من إمكانات جعلت الدول الغربية والصاعدة تتسابق إليها. وتشير الدراسة إلى أن هذا الوجود توسع بصورة كبيرة خلال حكم الرئيس الأسبق محمود احمدي نجاد، وذلك عبر زيادة العلاقات التجارية والاقتصادية لإيران بوتيرة سريعة لتبلغ التجارة غير النفطية مع إفريقيا مليار دولار، واتخاذ ذلك ستاراً للتغلغل عسكرياً براً وبحراً في الدول الإفريقية والموانئ بهدف السيطرة وتهديد خطوط الإبحار الحيوية في الأزمات، خصوصاً على مشارف البحر الأحمر. وأمنت الدراسة على أن إيران سعت طوال السنوات الماضية لإقامة خطوط بحرية وبرية تقود إلى ساحات الصراع الرئيسة التابعة لها في الشرق الأوسط والتي يمكن عن طريقها تهريب الأسلحة والمقاتلين إليها. وأضافت "لذلك نجد أن الإيرانيين يولون أهميةً خاصة لمسار عمليات التهريب في أفريقيا، ويقيمون علاقات مع تجار التهريب في القارة". وأفادت الدراسة أن التغلغل الإيراني في القارة يتركز في الجزء الشمالي وخاصة منطقة القرن الأفريقي حتى جنوب الصحراء الأفريقية، وأن إيران وسعت علاقاتها مع اليمن كموقع استراتيجي وكمدخل للقارة الأفريقية والبحر الأحمر بما يتيح لها عمليات بحرية نشطة في المنطقة وصولاً إلى أمن الخليج العربي أو قناة السويس المصرية. وترتكز خارطة النفوذ الإيراني في أفريقيا حاليا في اريتريا، وكينيا، ونيجيريا، وأثيوبيا، وجنوب أفريقيا، وزيمبابوي، وغامبيا، والنيجر لما تمتلكه هذه الدول من ثروات ضخمة من اليورانيوم إلى جانب بنين ومالي. وتؤكد الدراسة أن إيران تستخدم سفاراتها وقنصلياتها ومراكزها الثقافية لترويج المواد الطائفية وتجنيد السكان مذهبياً وسط الجاليات والأقليات المسلمة التي تعيش في دول أفريقيا، مشيرة أن من أهم المؤسسات الإيرانية التي تعمل على تنفيذ هذه السياسة هي الشركة الإيرانية للنفط والغاز، ومؤسسة "المستضعفين"، ومؤسسة "الشهيد"، ومؤسسة "الإمام الرضا"، ومؤسسة "15 خرداد"، وشركة "خودرو" للسيارات، وظلت إيران تعمل عبر مؤسساتها هذه على تشويه صورة العرب والثقافة العربية في الوعي الإفريقي، لتعويق العلاقات العربية الإفريقية وإظهار كل منهما كعدو للآخر. وتأتي اريتريا في قائمة الدول المتحالفة مع إيران بعد كينيا، حيث تعمل السياسة الخارجية الإيرانية على توثيق علاقاتها مع هذه الدولة بسبب أهميتها الإستراتيجية كعامل مؤثر على الأمن القومي العربي وأمن البحر الأحمر، وكانت المعارضة الارترية نشرت تقارير عن وصول بوارج وغواصات إيرانية إلى مدينة (مينائية أساب) الواقعة على البحر الأحمر عدة مرات. ورغم كل ذلك ترى الدراسة أن السياسة التي اتبعتها إيران في إفريقيا منيت بالفشل بعد أن اكتشفت دول كثيرة خطورة الوجود الإيراني على أمنها، وأرجعت السبب في ذلك إلى أن معظم مسلمي أفريقيا يتبعون المذهب السني، ويخشون من مسألة تصدير الثورة الخمينية إليهم،كما أن الدول الإفريقية التي لا تزال تحتفظ بعلاقات قوية مع الولاياتالمتحدة والغرب لا ترغب في التضحية بمصالحها مع هذه الدول لصالح إيران. ودعت الدراسة الدول العربية إلى الاهتمام برصد وتحليل التغلغل الإيراني في القارة الأفريقية وذلك من خلال توجيه البحوث والدراسات المتخصصة بغرض توفير أكبر قدر من المعلومات حوله، وإتاحتها لصانعي السياسة ومتخذي القرار في الدول العربية. وطالبت بزيادة مستوى اهتمام الدول العربية بالقارة وتطوير العلاقات خصوصا مع الدول الفقيرة في القارة حتى لا تكون سهلة الاستقطاب والتبعية خاصة دول منطقة القرن الأفريقي. وشددت الدراسة على تنسيق الجهود والمواقف بين الدول العربية تجاه إيران على الصعيد الإقليمي والدولي. طائفية الملالي حمل جديد أثقل كاهل القارة السمراء