استقطبت القاهرة المتوسطية، قبل تصفية هذا الوجه 1952 - 1956، الكثير من علاماتها الاقتصادية والسياسية والثقافية، فاستبدلته بما عزّز دورها القومي حتى 1967. ومن بين من استقطبت تلك الحناجر العربية من بلاد الشام "فلسطينولبنان وسورية"، وأقصد الرجالية، مثل: محمد البكار "1909 - 1959"، وفريد الأطرش "1910 - 1974"، وحليم الرومي "1919 - 1983"، وغرام شيبه "1921 - 1995" ومحمد سلمان "1922 - 1997" ووديع الصافي "1921 - 2013"، ونصري شمس الدين "1927 - 1983". وعلى أن كل واحد منهم انطلق في الإذاعة والسينما والمسرح منذ عقد الثلاثينيات، ويستثنى بجمال الصوت البكار، غير أن من اجتمع لهما الصوت واللحن: فريد الأطرش، وحليم الرومي. وتحقق النجاح، في لبنان، منذ عقد الستينيات، لكل من سلمان "التأليف والإخراج"، والغناء للصافي وشمس الدين. ويأتي السؤال لماذا نجح الأطرش وما كان للرومي ذلك؟. ذلك الرومي ولد في صور وانتقل ليتعلم الموسيقى في القدس، وابتعث على حساب الملك عبدالله الأول بن الحسين الهاشمي إلى القاهرة فاستكمل في معهد الملك فؤاد للموسيقى "1937 - 1939"، وعاد إلى القدس موظفاً في إذاعة الشرق الأدنى "1941 - 1945" ليؤسس فيها القسم الموسيقي ثم قفل منها إلى القاهرة ليحقق عملاً سينمائياً وتزوج بالسيدة ماري لطفي -والدة ابنته ماجدة-، وإبان شهر العسل في بيروت عرض عليه أن يتولى القسم الموسيقي في إذاعة لبنان "1950 - 1978". وتمكن الرومي من أن يخلق الوجه اللبناني الموسيقي، الذي أسهم فيه الكثير من الموسيقيين "عازفون وملحنون وموزعون" والشعراء والحناجر الرجالية والنسائية، ولم يتوقف الأمر على عناصر لبنانية بل فلسطينية وسورية ومصرية، وروسية وأميركا الجنوبية. ولم يمنعه من استمرار دوره الثقافي في الإبداع على مستوى الأشكال الغنائية "القصيدة والموال والموشح والأغنية العاطفية والراقصة والشعبية، والاستعراض والحواريات" كما تسربت من بين يديه أوتار بشرية أطلقها ورعاها حناجر باتت كبيرة ولا شك أنه من منح فيروز ووديع الصافي اسميهما الفنيين، ومن قدم الأولى إلى عاصي الرحباني، وذلك بعد أن حقق لها أكثر من أغنية وشاركته واحدة. وقد استعادته ابنته ماجدة، بعد أن لحن لها أغنية "عيد الأمهات" في مجموعة "خدني حبيبي" "1977"، وهي لا تغضبي وسلونا في "ساكن أفكاري" "1986"، واسمع قلبي في "كلمات" "1991"، ويا مكحل رمشك في "ابحث عني" "1994"، واليوم عاد حبيبي في "أحبك وبعد" "1998"، ويا معذب قلبي في "اعتزلت الغرام" "2006"، وسلونا في "غزل" "2012". إذاً، لماذا يرتضي لبنان أن يجعل من مجده الثقافي نموذجي: صباح، ووديع الصافي؟. وما المجد سوى حليم الرومي بجوده الثقافي وأغلى ما أهدى: فيروز، وماجدة الرومي.