حديث الرئيس فلاديمير بوتين رئيس روسيا الاتحادية والذي نشرته «الرياض» أمس على صفحتها الأولى عندما وصف زيارة الملك سلمان إلى موسكو بأنها شرف كبير بالنسبة إلى روسيا، وشدد على وصفها ب«الحدث التاريخي كونها أول زيارة لملك سعودي». مؤكداً على وجود تنسيق وتعاون وفرص للعمل في التعاون العسكري والتقني. أقول حديث الرئيس بوتين لم يتجاوز الحقيقة، فالمتغيرات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية والتطورات المتلاحقة وما تبعها من تداعيات على المشهد السياسي أكدت أهمية العلاقات السعودية الروسية التي بدأت قبل تسعة عقود. وكانت انطلاقتها الحقيقية عام 1990م ثم اكتسبت زخمها بزيارات سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مؤخراً وتوجت بزيارة دولة تاريخية لخادم الحرمين الشريفين. واستمدت الزيارة الملكية أهميتها من أهمية المملكة كقوة إقليمية كبرى ومفتاح للأمن والسلم الإقليمي وكقوة اقتصادية عالمية وأكبر مصدر للنفط في العالم، وكدولة لها هيبتها الروحية ومكانتها الدينية كزعيمة للعالم الإسلامي وقبلة لأكثر من 1٫3 مليار مسلم. أما روسيا فهي قوة عظمى عالمية وعضو دائم في مجلس الأمن تعاظم دورها في الآونة الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط ونجحت قيادتها وعلى رأسها فلاديمير بوتين في استعادة زمام المبادرة لتصبح روسيا لاعباً أساسياً على المسرح العالمي وأحد أهم صناع القرار الدولي. زيارة الملك سلمان التاريخية حققت نجاحات كبيرة واعتبرها المراقبون «اختراقاً استراتيجياً» لجهة ما تحقق من نتائج على كافة المسارات السياسية والاقتصادية والأمنية. فعلى الصعيد السياسي حققت المباحثات المكثفة والصريحة التي أجراها الملك سلمان مع القادة الروس تفهماً أكبر لمواقف البلدين من القضايا الإقليمية والدولية خصوصاً قضايا منطقة الشرق الأوسط ويبدو واضحاً أن هذا الحوار الاستراتيجي قد أوجد أكثر من أرضية مشتركة في الكثير من الملفات بما في ذلك الوضع في سورية واليمن والعراق والدور الإيراني التخريبي في المنطقة والحرب ضد الإرهاب. كما أن المباحثات السياسية التي تمت جعلت كل طرف أكثر تفهماً لرؤية الطرف الآخر ومصالحه، فهذا من شأنه أن يسهم في تعزيز التعاون لإيجاد حلول للقضايا المطروحة تأخذ في الحسبان مصالح البلدين وتخدم الأمن والاستقرار في المنطقة. وعلى الصعيد الاقتصادي تم عقد عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وتأسيس عدد من الصناديق الاستثمارية وإيجاد فرص استثمارية في قطاع خدمات الطاقة والتكنولوجيا المتطورة والبتروكيماويات وتنسيق مواقف البلدين حيال استقرار أسعار النفط. وعلى الصعيد العسكري وضعت زيارة الملك سلمان أسساً لتعاون أمني في مجال الصناعات العسكرية من خلال مذكرة التفاهم التي وقعتها الشركة السعودية للصناعات العسكرية مع شركة «روزوبورن إكسبورت» الروسية، وتهدف الاتفاقية إلى توطين صناعة بعض الأسلحة النوعية الروسية ونقل تقنياتها المتطورة للمملكة. فهذه بلا شك خطوة نوعية في العلاقات بين الرياضوموسكو، خصوصاً وأن المذكرة تشمل صناعة مكونات من صواريخ «إس - 400» أرض - جو التي تعد من أحدث منظومات الدفاع الجوي. هذا التعاون العسكري الجديد مع روسيا يؤكد مجدداً استقلالية وسيادة القرار السعودي فيما يتعلق بالأمن الوطني وحرص القيادة على تنويع مصادر السلاح. وبعد.. هذه الزيارة في مجملها إضافة مهمة لرصيد بلادنا من الشراكات الاستراتيجية الفاعلة التي تعزز مكانة المملكة إقليمياً ودولياً، وتخدم مصالحنا الحيوية في الحاضر والمستقبل وتحقق انفراجاً في العديد من الملفات الشائكة في المنطقة وهو ما بدا واضحاً للعديد من المراقبين والمتابعين في أعقاب الزيارة الملكية التاريخية الناجحة. [email protected]