حققت السينما السعودية أصداء مميزة في العاصمة الروسية موسكو بعد عرض ثلاثة أفلام لمخرجين سعوديين ضمن فعاليات "الأسبوع الثقافي السعودي" الذي نظمته وزارة الثقافة والإعلام على هامش الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين إلى روسيا الاتحادية. وشهدت الليلة السينمائية تفاعلاً كبيراً من الجمهور الروسي الذي وجد في الأفلام المعروضة كشفاً صادقاً لواقع المجتمع السعودي ونقلاً دقيقاً لحقيقته المُسالمة المُغايرة للصورة النمطية المشوهة التي رسمها الإعلام المغرض عن المملكة العربية السعودية. والأفلام هي: "شكوى" للمخرجة هناء العمير، و"المغادرون" للمخرج عبدالعزيز الشلاحي، و"فضيلة أن تكون لا أحد" للمخرج بدر الحمود. وأوضحت المُداخلات التي شارك بها الروسيون في الجلسة النقدية التي تبعت العرض، مدى أهمية السينما في الحوار الحضاري بين الشعوب، وقوتها في تشكيل الانطباعات الإيجابية تجاه المملكة، حيث حملت مشاركاتهم آراء إيجابية في المجتمع السعودي وتميز أفراده في صناعة أعمال ذات جودة فكرية وجمالية، الأمر الذي يُحسب لوزارة الثقافة والإعلام التي قررت إدراج السينما ضمن أجندتها الدولية باعتبارها فناً ناشئاً في المملكة تمكن من تحقيق نجاحات دولية معتبرة. وترى المخرجة هناء العمير أن وجود الأفلام السعودية ضمن الفعاليات الدولية لوزارة الثقافة والإعلام مسألة مهمة "لأن السينما جاذبة جداً للجمهور وتعطي بعداً كبيراً للثقافة التي تنتمي إليها من خلال القصص التي ترويها، والتفاصيل التي تظهرها، وهي تعبر عن رؤية وفكر صانعهاً أيضاً". مضيفة بأن "ليلة السينما السعودية في روسيا كانت من أكثر الأمسيات إزدحاماً وإقبالاً وتفاعلاً، وما يجعل هذا الأمر أكثر أهمية الآن منه في أي وقت سابق أننا أصبحنا نرى نتاجاً سينمائياً سعودياً متميزاً يستحق العرض في الخارج لقيمته الفنية العالية". هناء العمير: ردة فعل الجمهور أكدت أهمية السينما في التواصل الحضاري د. فهد اليحيا: الشكر لوزارة الثقافة والإعلام على هذه الخطوة الرائدة فيما يعتبر خالد الباز -أحد منظمي الليلة السينمائية- أن نجاح عرض الأفلام السعودية أمام الجمهور الروسي إنما يؤكد أهمية الفن السينمائي وضرورة وجوده في أي فعالية خارج المملكة "خاصة بعد النجاحات المميزة التي حققها المخرجون السعوديون في المهرجانات الدولية"، مضيفاً بأن صناعة الفيلم لا تشبه صناعة أي فن آخر "لأن الفيلم نتاج عمل جماعي ولا يستطيع إنتاجه بتميز إلا مجتمع متحضر، ومن هنا تأتي أهمية صناعة الأفلام في كونها انعكاساً لمدى تطور المجتمعات وتقدمها الحضاري"، مشيراً إلى أن الحضور الخارجي المميز للفيلم السعودي رافقه حضور داخلي ممتاز من خلال الفعاليات التي تقام في المدن السعودية، مستشهداً بنجاح عروض "ليالي الأفلام القصيرة" التي يُشرف على تنظيمها بالمشاركة مع مركز الملك فهد الثقافي بالرياض. خالد الباز: الفيلم السعودي حقق نجاحات محلية ودولية عبدالعزيز الشلاحي: لا بد من إدراج فن السينما في كل المناسبات الرسمية من جانبه وصف عبدالعزيز الشلاحي تخصيص وزارة الثقافة والإعلام مساحة للفيلم السعودي في الأسبوع الثقافي بالخطوة الرائعة التي تستحق الإشادة، وذلك "لأن الفيلم له تأثيره الخاص عند الأجانب وهو من أنجح الوسائل في إيصال ثقافة البلد الحقيقية، فالفيلم يختزل أغلب أنواع الفنون مثل الموسيقى والصورة". فيما قال الناقد د. فهد اليحيا الذي قدم الجلسة النقدية بعد العرض، إن وجود الأفلام السعودية في قلب روسيا خطوة متقدمة ورائدة للوزارة تُشكر عليها ممثلة في معالي د. عواد العواد، معتبراً الأفلام رافداً ثقافياً مهماً معترفاً به عالمياً منذ ثلاثينيات القرن الماضي. مضيفاً بأن "الفن لغة إنسانية عالمية وهذا فإن جوخ قال لأخيه في إحدى رسائله "لا يمكننا أن نتخاطب إلا من خلال الفن"، والسينما تجمع كل الفنون، سمّ أي فن شئت تجده في السينما من تصوير وتمثيل وتشكيل وحركة وحوار.. إلخ". وعن مستوى الأفلام السعودية وقدرتها على التأثير في الخارج، تقول هناء العمير: إن المستوى الفني للأفلام السعودية يتضح من خلال فوزها في مهرجانات إقليمية ودولية وليس محلية فقط، "وهي تقدم صورة جيدة للمجتمع السعودي من وجهة نظري من خلال قيمتها الفنية وليس بالضرورة كما يعتقد البعض من خلال ترويج دعائي للثقافة نفسها، فالمستوى الفني للعمل السينمائي يُبين للمشاهد أن هناك مخرجين وكتاباً ومصورين سينمائيين وممثلين وممثلات يمتلكون مواهب عالية، وهذا كفيل بأن يقدم صورة مشرقة عن المجتمع السعودي". ويتفق معها د. فهد اليحيا مضيفاً بأن "السينما السعودية -وهي في أغلبيتها أفلام قصيرة وعدد من الأفلام الطويلة- أثبتت نجاحها في الحصول على جوائز في عديد من المهرجانات والمسابقات وفي إقبال المشاهدين عليها أنّى عرضت". لافتاً الانتباه إلى إن السينما -الدراما الفيلمية- هي وسيلة تعبير فني مثلها مثل الفن التشكيلي بأنواعه والقصة والرواية، "والفن عمل إبداعي بالدرجة الأولى وشرطه الأساسي تحقيق المتعة للمُستقبِل مشاهداً كان أو مستمعاً، وليس مطلوباً من السينما أن تقدم صورة جيدة أو سيئة، بل المطلوب عملٌ فني متكامل الشروط باختلاف المدرسة؛ أعني الواقعية أو الرومانسية. حقاً قد تستغل السينما لتكوين بروباجندا وبروباجندا مضادة، ولكن هذا معروف منذ القدم، منذ الأساطير والأغاني وأشعار الهجاء والمديح وغيرها. لكن دعني أستطرد وأقول: إن الأفلام التي استقت مواضيعها من الواقع السعودي كانت مقاربة الصدق في تمثيل المجتمع بحسب الفئة الاجتماعية الاقتصادية التي تكون مسرحاً لأحداث الفيلم. ومن أهم الجوانب إنها تُقدم السعوديين بشراً مثل باقي الشعوب لا شياطين أو ملائكة. وهذا مهم في حد ذاته، فالسينما الهوليودية بارعة في تشويه الشخصية بطريقة غير مباشرة. قدمت لنا تلك السينما الألمان والروس على أنهم أجلاف قساة القلوب عنيدون بصورة مضحكة ولكننا وجدهناهم طيبون لطفاء في مجملهم مثل معظم البشر". وأبدى عبدالعزيز الشلاحي انبهاره بردود فعل الجمهور الروسي تجاه الأفلام المعروضة، قائلاً: "ردة فعلهم مبهرة وأثار انتباهي حرصهم على متابعة الأفلام بدقة، وتركيزهم على التفاصيل الموجودة بالأفلام"، مبيناً بأنه لم يكن يتوقع هذا القبول والاهتمام منهم، مستشهداً بردة فعل دكتورة روسية التقاها بعد العرض وتحدثت بإعجاب عن شخصية الممثل إبراهيم الحساوي في فيلم "فضيلة أن تكون لا أحد" للمخرج بدر الحمود. فيما كشفت هناء العمير أن استقبال الجمهور الروسي للأفلام فاق توقعاتها "فقد تفاعلوا مع الأحداث والشخصيات وتماهوا معها حتى أن الكثير منهم أبلغني أنهم بكوا تأثراً. كما عبروا عن دهشتهم من وجود أفلام سعودية بهذا المستوى الفني وسألوني لماذا لا نراها حاضرة في المهرجانات الدولية كثيراً. كما التقط الكثير منهم صوراً معي وكان احتفاؤهم بالأفلام كبيراً". ووصف د. اليحيا ردة فعل الجمهور الروسي بالمدهشة والإيجابية، مضيفاً "الجميل في العروض أنها كانت مجانية وليست بتذاكر مدفوعة أو بطاقات دعوة، لذا كان الجمهور خليطاً من جميع فئات المجتمع الروسي. كان هناك 250 مقعداً تقريباً وحوالي 100 شخص وقوفاً، تابعوا الأفلام الثلاثة حتى نهايتها. كانت أمسية ناجحة بكل المقاييس". ويرى د. اليحيا ضرورة تكرار هذه التجربة في عدة عواصم عالمية "ومن الجميل أن يكون هناك أسبوع ثقافي متكامل أحد أركانه السينما. وكنت أتمنى لو كانت هناك أمسيتان أو ثلاث أو أكثر في كل منها فيلمان. ستكون الحصيلة عدة أفلام منتخبة ومختلفة الأنواع الفنية والمضامين وأساليب السرد السينمائي". ويتفق معه الشلاحي الذي يطالب بأن يكون الفيلم السعودي المحكم حاضراً في جميع المناسبات الثقافية الرسمية "فهو وسيلة مهمة في نشر الثقافة السعودية خصوصاً في مثل هذه المناسبات". فيما استشهدت هناء العمير بردة فعل الجمهور الروسي التي أكدت لها بأن السينما من أكثر الفنون شعبية وقدرة على الوصول إلى الناس بسهولة والتأثير فيهم بشكل كبير "لذلك من الضروري تكرار هذه التجربة في دول أخرى". الأفلام السعودية وجدت استقبالاً مميزاً في موسكو خالد الباز مقدماً الأمسية السينمائية هناء العمير ود. فهد اليحيا وعبدالعزيز الشلاحي في حوار مع الجمهور الروسي