في التاسع من تشرين الأول أكتوبر 2017، دشن حلف شمال الأطلسي (الناتو) قوة جديدة متعددة الجنسيات في رومانيا للتصدي لروسيا على جانبه الشرقي، ومتابعة الوجود الروسي في البحر الأسود.وتقوم هذه القوة مبدئياً على كتيبة رومانية قوامها نحو أربعة آلاف جندي تدعمهم قوات من تسع دول أخرى أعضاء بالناتو، وتكمل قوة منفصلة من 900 جندي أميركي منتشرة بالفعل. وكانت الولاياتالمتحدة قد وقعت مع رومانيا في السادس من كانون الأول ديسمبر من العام 2005 على اتفاقية تسمح للقوات المسلحة الأميركية باستخدام قواعد عسكرية على الأراضي الرومانية، ونشر قوة أميركية قوامها 1500 شخص في قاعدة «ميخائيل كوغالنيتشيانو» على البحر الأسود، واستخدام المطار العسكري قرب ميناء كونستنزا وقاعدة «باباداغ»، ومركزي التدريب «تشينكو» و»سماردان» في دلتا الدانوب. وهناك ست دول تمتلك شواطئ على البحر الأسود، وهي: بلغاريا، رومانيا، أوكرانيا، روسيا، جورجيا وتركيا. كما تعتبر مولدافيا من دول البحر الأسود، وكذلك أرمينيا وأذربيجان. وبعد تفكك الدولة السوفياتية، سعى حلف الناتو إلى تكثيف حضوره العسكري في البحر الأسود، ودخلته تسع من سفنه في العام 1991. وأبقى الحلف تالياً على نحو 20 سفينة حربية في هذا البحر بصفة دائمة. وكانت قد انضمت إلى الناتو في العام 2004، سبع دول جديدة هي ليتوانيا ولاتفيا واستونيا ورومانياوبلغاريا وسلوفاكيا وسلوفينيا. وبالنسبة للروس، فقد كان لهذا التوّسع أثر أعمق بكثير مما أحدثه انضمام بولندا والتشيك والمجر. وثمة نقاش استراتيجي أثير قبل سنوات، مفاده أن الجبهة الجنوبية هي الجبهة الأكثر أهمية في حسابات الأمن الأطلسي، وهي خط المواجهة الخاص بالناتو في القرن الواحد والعشرين، وبوابته إلى منطقة بحر قزوين. وكانت قوات حلف وارسو هي من يهيمن على البحر الأسود، وحيث نظر الغرب إلى هذا البحر باعتباره منطقة نفوذ سوفياتي بالغة الحساسية، وذلك على الرغم من طول الشواطئ التركية عليه. وكانت قد شيدت مدينة سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم في العام 1783 كقاعدة للأسطول الروسي في البحر الأسود. وكان هذا الأسطول، الذي تم بعثه في الاتحاد السوفياتي مع حلول العام 1941، يمتلك 47 غواصة و85 قاربا حاملا للطوربيد و845 طائرة و40 سفينة حربية. وبعد تفكك الاتحاد السوفياتي، تقاسمت الأسطول روسياوأوكرانيا، التي أصبحت سيفاستوبول على أراضيها. وقد حصلت موسكو على ما نسبته 7ر81 بالمائة مقابل 3ر18 بالمائة لكييف. وفيما بدا رداً على تحركات الناتو، التي تعاظمت بعد حرب القوقاز عام 2008، اتجهت روسيا، في السنوات الأخيرة لزيادة حضورها في البحر الأسود، كما عززت من قدراتها الجوية في بيلاروسيا. وكان قد حدث في شباط فبراير 2014 تطوّر كبير في مسار الأحداث في أوكرانيا، حيث عزل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الموالي للروس، وشكلت سلطة جديدة موالية للغرب، ومناوئة بشدة لموسكو. وفي الثامن عشر من الشهر ذاته، تم في موسكو توقيع معاهدة انضمام القرم ومدينة سيفاستوبول إلى روسيا الاتحادية. وقد أصبحت شبه الجزيرة جزءاً من منطقة عسكرية في الجنوبي الروسي، وذلك اعتباراً من نيسان أبريل 2014. وتضم المنطقة العسكرية الجنوبية جميع الأقاليم القوقازية الروسية وأقاليم جنوب شطر روسيا الأوروبي، ويتبع لقيادتها أسطول البحر الأسود، الذي تقع قاعدته الرئيسية في مدينة سيفاستوبول. إن ضم القرم إلى الدولة الروسية، قد مثل منعطفاً تاريخياً في فضاء الأمن الأوروبي، كما العلاقة بين الشرق والغرب. واليوم، فإن اتجاه الناتو لتعزيز حضوره في منطقة البحر الأسود يعبر عن موجة جديدة من صراع المصالح بين الحلف وروسيا.