بعد أن أسدل الستار عن قيادة المرأة للسيارة وحسم الأمر في إحدى أكثر القضايا جدلاً بالمجتمع، يأتي السؤال الأهم لمرحلة ما بعد القرار، من أين تكون البداية؟ وما هي أهم الاستعدادات والترتيبات التي ننتظرها قبل البداية الرسمية لقيادة المرأة؟. تهيئة المجتمع في البداية قالت عضو هيئة تدريس بكلية الإعلام والاتصال في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نوير الشمري: إنّ الأمر السامي يعد أحد القرارات المفصلية والتاريخية التي ستشكل نقطة فارقة في تاريخ المملكة، وخاصة أن للأمر السامي دواعي أمنية واجتماعية واقتصادية مهمة، فضلاً عن تطور الحياة وتغيرها وتبدلها، حيث حققت المرأة السعودية اليوم مكانة كبيرة وثقة عالية استحقتها بكل جدارة، على الصعيد الداخلي والخارجي بدعم القيادة والمجتمع، وتمكنت من المساهمة الفعلية والحقيقية في تنمية أسرتها ومجتمعها وتبوأت أعلى المناصب، وبذلك أغلق خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- أحد أهم الملفات الشائكة، التي حاول البعض مع الأسف الشديد توظيفها في تشويه صورة المملكة، وتصوير المرأة السعودية بالمسلوبة الحقوق. وأضافت إن هناك محاولات سابقة لتهيئة المجتمع منذ فترة لقرار قيادة المرأة، ولكن طريقة تناول الموضوع في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لم تصب في صالح الملف، وكان يغلب على ما ينشره البعض جانب الإثارة والتهويل، من خلال التركيز على الجوانب السلبية فقط، والتي ستحدث في حال قيادة المرأة، فضلاً عن تداول الفتاوى التي تحرم القيادة والتركيز على المقاطع التي تصور قيادة المرأة بالكارثة الكبيرة التي ستحل على المجتمع. مجتمع ناضج وبينت الشمري أنّ التهيئة الحقيقية تنطلق اليوم من خلال الإعلام بمختلف وسائله؛ لأنه قادر على التأثير في الرأي العام وتكوينه وتنويره، كونه إحدى أهم الوسائل التي تلجأ إليها المجتمعات والدول للحفاظ على هويتها، وحضارتها، وصياغة معارف مواطنيها، وأراءهم، وتشكيل وعيهم وتحديد سلوكياتهم، والارتقاء بآفاق فكرهم وتفكيرهم، وذلك لما يملكه الإعلام من إمكانات التأثير؛ لذا لابد من حملات إعلامية مكثفة خلال الشهور القادمة، توضح الأنظمة والإجراءات المتخذة، وتتناول تأثيرات القرار اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً على المملكة، كما يمكن التطرق لواقع قيادة المرأة الخليجية؛ كون هناك ثقافة مشتركة. وأشارت إلى أن المجتمع السعودي ناضج شهد تحولات جذرية خلال العشر السنوات الأخيرة، ولمسنا دعم الرجل للمرأة في مجتمعنا بكثير من المواقع والمحافل ولله الحمد، وبتكاتف الجهود الواعية ستكون قيادة المرأة من الأمور الطبيعية والروتينية، وسنشهد تعاون الجميع ودعمهم لبناتهم وزوجاتهم وأخواتهم، وحرص الجميع لتحقيق البيئة الأفضل للمرأة السعودية التي حققت لنفسها كل الاحترام والثقة والدعم. خطوات هادئة من جهتها ذكرت المستشارة الاجتماعية هيفاء صفوق أنّ القرار بلا شك قرار تاريخي ويوم مفصلي في تاريخ المملكة، وليس غريباً عليها أبداً مثل هذه القرارات المفصلية، منذ البدايات التي بدأها الملك فيصل -رحمة الله- في دخول المرأة لسلك التعليم رغم اعتراض البعض، ثم بدأها الملك عبدالله -رحمه الله- في دخول المرأة السعودية كأول مرة في مجلس الشورى، واليوم بدأها الملك سلمان الحزم في السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، كل ذلك مؤشر مدى قوة الثقة في المرأة السعودية التي أثبتت وجودها في أغلب المجالات العالمية والمحلية كباحثة ومخترعة ومنتجة وقائدة؛ لذا كانت تستحق كل ما منح لها فهذا حق من حقوقها الإنسانية. وقالت: إن قيادة السيارة شيء مهم وضروري وليس شكلياً، فهناك سيدات يعملن ورواتبهن قليلة يذهب نصفه للسائق، وليس لهن عائل، مبيّنةً: "ما نحتاجه الآن هو التمهيد لذلك بخطوات هادئة وثابتة، وفق ما وجه به خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- من إيجاد للوائح النظامية"، مؤكّدةً أنّه من الضروري إقرار نظام للتحرش، بحيث يكون هناك لوائح واضحة للجميع، حتى المرأة نفسها تتقيد بها، مشددةً على ضرورة أن يتم التركيز على رفع الوعي بهذا الملف، وأن يدرك الجميع أن كل ما هو جديد على المجتمع يحتاج إلى وقت ليتم استيعابه، حتى يصل ليكون جزءًا من الروتين. بنية تحتية وشددت المحامية نسرين الغامدي على أهمية تلك الفترة التي تسبق بداية تطبيق القرار، موضحة أن البداية التي تتبع مثل هذا القرار الهام تتضمن افتتاح أقسام نسائية في عدة جهات حكومية كأقسام المرور، وتجهيز البنية التحتية بشكل كامل كما وجه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-. وأكدت على أهمية التوجيه وتهيئة المرأة لتحمل تلك المسؤولية وتثقيفها بما يترتب عليها من التزامات ومخالفات وعقوبات، إضافة إلى إدراكها لأهمية الانضباط والسيطرة الشعورية، وأن تتعلم كيف توظف وتضبط مشاعرها للحد من وقوع الحوادث، وما يترتب عليها من عواقب، وهنا يتأكد لنا أهمية دور مراكز تعليم القيادة، حيث تساعد في تمكين المرأة السعودية من اكتساب الخبرة بمهارة عالية.