ألا يدرك هؤلاء أنهم لا يمثلون كل المجتمع، فلماذا يظهر بعضهم بمظهر المعطّل وهو يعلم أن تعطيله لن يؤثر متى ما أرادت الدولة إصدار القوانين والقرارات التي يعطلونها؟ كما حدث مؤخراً في موضوع قيادة المرأة.. استكمالاً لما طرحته في الجزء الأول من هذا المقال، تعليقاً على صدور الأمر السامي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة؛ الذي سيغير نظرة العالم لبلادنا ويخرس الأصوات المغرضة التي تتجاهل كل ما حققته المرأة السعودية من نجاح على عدة أصعدة، فلا يذكرون إلا منعها من القيادة، الذي شوه وجه بلادنا الناصع، واستغله الحاقدون على بلادنا ومنظمات حقوق الإنسان أيما استغلال. وكنت كتبت بتاريخ 31 يوليو 2005 مقالا عنوانه (كلّ آتٍ قريب) تحدثت فيه عن الحملة الشعواء التي تعرض لها الدكتور محمد آل زلفة عندما طرح موضوع قيادة المرأة للسيارة في مجلس الشورى آنذاك، إذ فعل ما لم يجرؤ كثيرون على فعله عندما اخترق التابو ملقياً حجرًا في البحيرة التي أسنت مياهها، وكان الاقتراب منها يعد انتهاكاً لحرمات الأخلاق والأعراض! أما موقف بعضهم من القضية فقد كان أكثر المواقف إثارة للدهشة، حيث بدا الدكتور آل زلفة وكأنه أدخل يده في عش الدبابير فآثر أكثرهم الصمت حتى لا تصيبهم لسعاتها! وكان ذلك سببا في عدم طرح موضوع القيادة داخل الشورى، حتى العام 2013 عندما طرحت كل من العضوات (لطيفة الشعلان وهيا المنيع ومنى آل مشيط) توصية بتمكين المرأة من القيادة، ثم طلبت كل من (لطيفة الشعلان وهيا المنيع) للمرة الثانية في العام 2014 منح المرأة رخصة قيادة كالرجل. وقد تجرأت بعض النسوة من داخل مجلس الشورى ومن خارجه على تنصيب أنفسهن متحدثات باسم المرأة السعودية -دون أن يكلفهن أحد بذلك- فكتبن خطاباً للديوان الملكي يتضمن كثيرا من المبالغات والمغالطات، اعتراضا على توصية العضوات بقيادة السيارة. وفي آخر دورة في العام 2016 ناشدت الدكتورة لطيفة الشعلان -في شكل مرافعة- الملك سلمان إصدار قرار لتمكين المرأة من حقها في القيادة. لقد كان رفض قيادة المرأة للسيارة قميص عثمان الذي يرفعه كل من أراد أن يتقرب من الممانعين للقيادة، وكل نكرة أراد أن يجعل نفسه مادة لحديث الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من باب خالف تعرف، لذا اشتهرت بعض النسوة المجهولات من هذا الباب الذي جعل موقفهن من القيادة حديثا سارت به الركبان. لكن ويا للعجب سرعان ما تبدلت مواقفهن بمجرد صدور الأمر السامي بالسماح للمرأة بالقيادة! لا يخفى على المراقب أن كثيرا من القرارات التي تصب في صالح المواطنين والمرأة على وجه الخصوص قد عُطلت، وجرى عرقلتها تحت ذرائع واهية، وذلك مثل: سحب نظام التحرش، ومقترح قيادة المرأة، ونظام الأحوال الشخصية، وتعديل بعض أنظمة الأحوال المدنية المتعلقة بالمرأة، وتزويج الصغيرات، وعمل المرأة في الأسواق! ما يجعلنا نعيد السؤال الذي طرحناه مرارا ونحن تحت وطأة الدهشة وهو: ألا يدرك هؤلاء أنهم لا يمثلون كل المجتمع، فلماذا يظهر بعضهم بمظهر المعطّل وهو يعلم أن تعطيله لن يؤثر متى ما أرادت الدولة إصدار القوانين والقرارات التي يعطلونها؟ كما حدث مؤخرا في موضوع قيادة المرأة. وكنت كتبت خلال تلك السنوات في هذه الصحيفة مقالات تخص تلك القضايا؛ ومن هذه المقالات (قيادة السيارة بين تبرؤ الشورى وفقهاء المبايض والعذرية والتحرش، في 2013) ومقال (إنه زمن الرُّوَيْبِضَة فلا تعجبوا، في 2013) ومقال (الشوريون والتضييق على عمل النساء في 2014)، ومقال (تحريض واستعداء ممنهج واستغلال للطفولة في 2015) ومقال (أما للتحرش بالنسوة من رادع أو عقاب؟ في 2015)! إن القضية عند هؤلاء أكبر من مجرد قيادة المرأة للسيارة، ذلك أنها تشير بقوة إلى أزمة تشكلها المرأة في عقولهم، أزمة لا يماثلها شيء في العالم! لهذا ينبغي ألا توكل الدولة أمور المرأة إلى هؤلاء المعطلين أنى كانت مواقعهم، ولن يكفوا عن النظر إليها وكأنها قنبلة موقوتة قابلة للانفجار مع كل جديد، والخطر الذي يهدد أمن المجتمع وسكونه وجموده. إن هدفي من عرض قيادة المرأة في إطارها التاريخي من خلال مجلس الشورى؛ إثبات أن الأمر قرار سياسي متى ما أصدره الملك أذعن الجميع له، ولعل ما نقرؤه على صفحات الجرائد هذه الأيام من تأييد قوي من قبل المعارضين سابقا للقرار، دليل على أن مناطحة الصخر طوال تلك السنوات لم توهن إلا المكابرين. وهذا يشبه موقفهم من كل القرارات التي اتخذتها الدولة وعارضها بعضهم ثم أصبحوا أول المطالبين بها أو المقتنين لها، ابتداء من رفضهم إلغاء رئاسة تعليم البنات وضم مدارسهن لوزارة المعارف آنذاك، وبطاقة هوية المرأة، واقتناء الستلايت، والهواتف الذكية ذات الكاميرا، وقرار توظيف النساء في الأسواق، وتطوير المناهج الدراسية، والرياضة في مدارس البنات ذلك الملف الذي كان محل شد وجذب بين المطالبين والمعارضين، مع أن الأمر ليس بتلك الصورة التي أحيط بها، لاسيما أن مدارس البنات بيئة منعزلة ومغلقة على النسوة وحدهن.