في عصر التحولات الكبرى، يكون الرجال وحدهم هم القادرون على صنع التاريخ، وإزالة جدران التوجس بين أبنائه، خاصة إذا كانت مثل هذه الجدران اصطناعية لا تتماشى أبداً مع مجمل الفكر الإنساني النقي. قرار الملك/ الرمز سلمان بن عبد العزيز بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، صنع تاريخاً جديداً لابنة هذا الوطن وانتصر لها باعتبارها عانت كثيراً، وأنهى جدلاً اجتماعياً غير منطقي حول فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في قضية تخطتها شعوب قبلنا ولم تحفل بمثل هذا الصخب، ووضع هذا القرار التاريخي نهاية لكثير من اللغط، بمثل ما أنهى قبضة متجمدة حاولت إعاقة مسيرة المجتمع. وإذا كنا في هذه اللحظة نعيش فيها عمق الفرح، فإننا نستذكر مهندس التغيير في بلدنا، وصانع رؤية 2030 الإستراتيجية، سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أذكر أنه تحدث قبل نحو عام، عن قيادة المرأة للسيارة.. مشيراً إلى أنها مرتبطة بتقبل المجتمع، وقال إنها «ليست قيادة دينية، بقدر ما هي قيادة لها علاقة بالمجتمع نفسه»، وكأن سموه يقرأ المستقبل والتحولات الإيجابية في صميم العقلية السعودية المجتمعية التي باتت ترى أنها ليست أقل ممن حولها، وأنه لا يمكن الاستمرار في حالة التناقض الذهني تلك. وبعيداً عن التبعات الاقتصادية الإيجابية، يمكننا أن نفهم، أن قرار خادم الحرمين الشريفين ووضعه في سياقه التاريخي يصنع تكاملاً مع سلسلة قرارات سابقة مهمة، اتخذها قادة هذه البلاد منذ تأسيسها، بدأت مع قرار الملك سعود بتعليم البنات، وقرار الملك فيصل ببداية عصر التليفزيون، وكذلك قرار الراحل الملك عبدالله بحق المرأة في عضوية مجلس الشورى، والترشح لعضوية المجالس البلدية.. وكلها قرارات ساهمت في صياغة وعي اجتماعي جديد في بلادنا وأحدثت نقلة نوعية في مسار التنمية والنهضة فيها. وهنا، لم يكن الترحيب الاجتماعي الهائل بقرار تاريخي مثل هذا، سوى دحض لكل الأكاذيب التي نالت صورتنا طويلاً، وللأسف كان هناك من ينفخ في كير نيرانها لافتعال أزمة نفسية بين عنصري الوطن، ولم يكن الترحيب الحار أيضاً إلا إقرارا اجتماعيا بأن وقت تصويب السلوكيات قد حان جدياً، لأننا لا يمكن أن نستمر في بناء نهضة تستثني نصف المجتمع، وهو المرأة التي هي صانعة الأجيال ومهندسة المستقبل. هنيئاً لابنة بلادي هذا الضوء الأخضر، وهنيئاً لصناع ومهندسي التغيير وقيادة التحول مثل هذه الآمال التي يشيعونها استجابة لواقع المجتمع ومتطلباته، وهنيئاً لنا عصر الاطمئنان والبناء بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين.