تتماوج الأشرعة البيضاء في البحيرة الصافية تحت أجنحة الشمس الخفاقة بالضياء المبهر. يمتد الضوء معانقاً زرقة البحيرة ملتقياً بزرقة السماء في تلاحم ودود حميم.. يغرق في تأمله المتسامح المطرز بزخرفة الطبيعة.. بهذا الجمال المنسرح في فضاء البحيرة والتلال المعشوشبة الخضراء.. يرتشف فنجان القهوة في حنان رائع، في ألفة غريبة بينه وبين هذا الداكن الأسمر الذي يتسرب في جوفه كنسمات باردة تنصب في خاطره المتوهج كارتشاف الضوء المتدفق من منابع العطش. أنامله تداعب الطاولة في طرب طفولي. هكذا تتسامح الأشياء مع الأشياء في تناغم راق رفيق.. يالها من حالة يذوب في صفائها الصفاء. آه يالهذا الكون حين تنسجم الطبيعة مع النفس.. حينما ترف على الخواطر هذه النسمات اللذيذة العذبة مثل عواطف العاشق المتبتل.. كهمسات حانية تأتي من وراء الاستحياء الممعن في أعماق الحذر.. في رغبات هامسة مبهمة منضبطة تنادي ولا تبين، تماماً كلغة الطفل الصغير حين يريد أن يشدو بأغنية الحنين والفرح. الموجات تطارح بعضها في لعبة أزلية ناعمة متناغمة تتلامس بهدوء، وتفترق في هدوء، ثم تعود تلتقي في هذا التناغم الناعم المنسجم يمحو بعضها بعضاً... طيور البجع والبط والوز تنفض خصلات ريشها على صفحة الماء، فترتسم هنالك لوحة الماء والريش.. هو يغرق في ملكوت الصمت والتأمل في هذا الحلم البلوري الجميل المتألق.. تمنى أن يظل كذلك بلا حركة بلا رغبة في شيء، سوى الانسجام مع هذا الحلم الشعشاع المبهم المبهر. الأشرعة الصغيرة تتهادى في رقة وحنان تشق زرقة الفضاء كأجنحة النوارس تمرق في نعومة والتذاذ. لا شيء يستحق أن تذهب بتفكيرك أو بصرك عن هذا البهاء الرائع.. عن هذه اللوحة الأزلية الخلود. هل هي حالة طارئة وفرتها الطبيعة في ظروف نادرة التكوين مع طبيعته المتفائلة هذا اليوم..؟! فتولد هذا الانسجام الروحي المنبعث كعبق الورد والزهر حين تمزجه نسمة تخطر في الأفق مثل نغمة تلامس شغاف قلبٍ أتعبه العشق والحنين؟ أم أنه اكتشاف رائع كأنه صحا عليه في هذه اللحظة التي مكنته من رؤية الأشياء جميلة كما خلقها مبدع الكون..؟! لا يدري إلاّ أنه في قمة النشاط والسعادة وصحوة الرؤية.. إنه تماماً كعين نورس تقلب طرفها في الضوء والخضرة وزرقة الماء والسماء.. تحمله أجنحة بيضاء في حالة بيضاء.