وهي تتأصل من عدة عوامل أهمها (التربية الصالحة، الأنظمة الرادعة، الولع بالآداب والفنون) والتربية هي (تكوين العادات الحسنة منذ الطفولة) و(زرع الوازع الديني المعتدل) فالسلوك يتجذّر في الإنسان أثناء طفولته بالذات، فما تزرعه الأسرة والتمهيدي في سلوك الطفل يشبه (صَبّ الخرسانة على الحديد المسلّح) يرسخ بشكل صُلْب عجيب، وما مرحلة الدراسة في التمهيدي إلّا تعويد للأطفال على احترام أنفسهم واحترام الآخرين، فهو مرحلة (تربية ذاتية اجتماعية) لا تعليم.. ويظل للمدرسة دور كبير في البناء على ذلك الأساس المتين.. أما الأنظمة فإنها تصنع الوعي، وتُجبر الناس على التعامل المستقيم، ثم يُصبح ذلك الإجبار عادة واختياراً جميلاً (إنّ الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).. وأنظمة المرور ومكافحة الفساد والتحرش وسلاسل جميلة من الأنظمة لحقوق الإنسان والحفاظ على البيئة، وأنظمة البلديات وغيرها مما صدر في بلادنا أمرٌ يُسرُّ حقا، فضلا عن الحدود الشرعية وتطبيق تعاليم الإسلام الحنيف التي تحقق التعامل الراقي ومكارم الأخلاق.. (الدين المعاملة). وللآداب والفنون الراقية دورٌ كبير في تهذيب السلوك، وتكوين الحس المرهف، والذوق الرفيع، وتشرّب القول الحسن، وللشعر في ذلك تأثير كبير ، ليس شعر الحكمة فقط، بل كلّ شعر راقٍ إنساني يجعلنا نتعاطف مع القريب والصديق بل وعابر السبيل، ونُقدِّر مشاعر الآخرين، كما أن الشعر الراقي يُمَجّد مكارم الأخلاق، ويجذرها في وجدان المتلقّي وسلوكه: (ولولا خلالٌ سنها الشعرُ ما درى بغاة ُ العُلا مِنْ أينَ تُؤتى المكارمُ) كما يقول أبو تمام وإن بالغ فهذا طبع الشعر. وتستطيع الحكم على درجة وعي أي مجتمع، ونوع تعامله، من خلال حركة المرور في الشوارع، وسلوك الناس في الأماكن العامة، ومدى الالتزام بالدور، ونوعية الأغاني والفنون الشائعة في المجتمع: أهي راقية أم هابطة؟.