الأسبوع الماضي زرت متحف برادو للفنون في مدريد. وهو متحف ضخم يحتوي على مجموعة هائلة من أهم اللوحات والمنحوتات الأوروبية بدءا من القرن الثاني عشر وحتى بدايات القرن العشرين. تجولت في المعرض يغمرني انبهار لا حدود له، بدأت بقراءة المكتوب بجوار اللوحات للتعريف بها، ثم تأملها، والاستغراق فيما تحمل من جمال. أمضيت ساعة ونصفا على هذه الحال، ثم شعرت بعد ذلك بشعور غريب، شعرت بضيق، وتعب، إرهاق ودوخة، وأرغمت نفسي على الخروج من المكان. متحسفة لأنني اعرف أن وقتي ضيق وأنني لن أعود قريبا إليه. لكن كان الشعور طاغيا بأن علي الخروج من المكان قبل أن أقع على الأرض. زرت متاحف فنية كثيرة من قبل لكن هذه المرة الأولى التي تعرضت فيها لهذا الإحساس. ثم وأنا أتصفح النت قبل يومين، اكتشفت أن هناك حالة صحية نفسية تسمى متلازمة ستندال، أو متلازمة فلورنسا وهي متلازمة أخذت هذا الاسم من الكاتب الفرنسي المعروف ستندال، الذي وصف حاله حين زار كنيسة سانتا كروس في فلورنسا ورأى الأعمال الفنية العظيمة فيها شعر بخفقان، أن الحياة تتسرب منه وأنه سيقع. كان ذلك في القرن التاسع عشر. وها أنا الآن بعد قرنين أشعر بما شعر به ستندال. واكتشفت وأنا أبحث أن هناك العديد مثلي، يغمرهم الإحساس بعظمة الفن، فيشعرون بالاختناق وأنهم سيقعون على الأرض. لم يعترف الطب النفسي الأميركي بهذه الحالة حتى الآن. لكن هناك طبيبة نفسية من فلورنسا تدعى غرازيلا ماغريني قامت بدراستها عام 1984، وهي التي أعطتها اسم متلازمة ستندال. درست الدكتورة ماغريني الحالات الأكثر خطورة وغرابة والتي تصل إلى الهلوسة أو الهلع، لكنها ذكرت في كتابها أن هناك حالات كثيرة اخرى تعاني من أعراض خفيفة عند رؤيتها أعمالا فنية مبهرة. ولعل هذا ما حدث لي. عدت لأسأل نفسي لماذا تعرضت لهذه الحالة في هذا المتحف وليس في متاحف أخرى كثيرة زرتها في العالم، وتوصلت إلى إجابة شخصية جدا وقد تكون صحيحة، هي أن هذه اللوحات كانت كبيرة جدا، وكان الكثير منها يحكي أساطير قديمة، ويروي أحداثاً مرعبة، آباء ينتزعون قلوب أبنائهم من صدورهم، وأمهات يقطعن رؤوس أولادهم، ومعارك وصور قتلى، ودهس ورعب كثيف. الفن مذهل، وأمضي أنا من غرفة إلى غرفة وكلها مليئة بلوحات لا يمكن وصفها من جمالها ودقة صنعها. كل ذلك غمرني بهذا الإحساس الخانق، صرت ابحث عن هواء. كل هذا الفن في مكان واحد، كان شيئا لا يمكن احتماله بالنسبة لي. تقول الدكتورة ماغريني أن المصابين بهذه الحالة يعودون سليمين إلى بلدانهم، وأنا عدت سليمة إلى بلدي، لذلك لن يمنعني هذا الإحساس من زيارة المتاحف الفنية، لن يمنعني من زيارة هذا المتحف تحديد مرة اخرى كي أستكمل جولتي التي قطعتها متلازمة ستندال، بل وأغراني لزيارة فلورنسا مرة أخرى للتمتع بالفن هناك.